في التسويق، ثمّة مبادئ يُبنى عليها المحتوى وتُصمَّم على أساسها الإعلانات، لكن قليلًا منها يملك التأثير الحقيقي على سلوك المستخدم. من بين هذه المبادئ العميقة – والتي لا تلقى الاستخدام الكافي رغم قوتها – يبرز ما يُعرف بـ: “التحوّل الخفي للنية الشرائية” – Latent Intent Shift.
ما المقصود بهذا المفهوم؟
ليس كل من يستخدم الإنترنت يبحث عن منتج ليشتريه، بل في كثير من الأحيان، يدخل المستخدم لمجرد الترفيه أو التسلية أو قضاء وقت الفراغ.
ومع ذلك، يمكن أن تتكوَّن النية الشرائية تدريجيًا ودون وعي مباشر، إذا ما صادف المستخدم إعلانًا ذكيًا في لحظة نفسية مناسبة.
بمعنى أدق: الإعلان لا يخاطب نية شرائية جاهزة، بل يوقظ نية نائمة لم تتشكّل بعد.
لنأخذ مثالًا واقعيًا:
شاب يتصفّح TikTok، يشاهد فيديوهات عن العناية بالبشرة، لا يبحث عن منتج، ولا ينوي الشراء أصلًا.
ثم يظهر له إعلان بسيط لمنتج للبشرة الحساسة، بأسلوب قصصي، مع تقييمات فعلية من مستخدمين آخرين.
ما الذي حدث هنا؟
- الإعلان لم يطلب الشراء مباشرة.
- لكنه لامس مشكلة غير معلنة، وطرح حلًّا بلغة إنسانية بسيطة.
- في لحظات، تحوّلت حالة المستخدم من “فضول” إلى “اهتمام” إلى “بحث” إلى “شراء”.
وهنا نكون أمام “تحوّل خفي في النية”، لم يكن ليحدث لولا توافر المحتوى المناسب في التوقيت المناسب.
ما أهمية هذا المفهوم للمسوّقين؟
لأن كثيرًا من استراتيجيات الإعلانات تعتمد على استهداف من لديه “نية شراء مباشرة”، مثل من يبحث على Google عن منتج معيّن أو من زار صفحة تسوّق سابقًا.
لكن ما لا يدركه البعض أن النوايا الشرائية ليست كلها ظاهرة، وأن غالبية القرارات الشرائية تبدأ برغبة ضبابية أو اهتمام عابر.
تخيل حجم الجمهور الذي تُهمله استراتيجيتك فقط لأنهم لا يبدون مستعدين… بينما هم فقط بحاجة إلى من يوقظ نيتهم.
كيف تطبّق هذا المبدأ في حملاتك؟
- اعرض المعلومات بدل الأوامر: لا تبدأ رسالتك بـ “اشترِ الآن”، بل بمعلومة مثيرة أو حقيقة مفاجئة. مثلًا: “هل تعلم أن 70% من الأشخاص لا يعرفون نوع بشرتهم؟”. هذه الأسئلة تبني وعيًا، وتزرع فضولًا يسبق الشراء.
- خاطب المشاعر لا العروض فقط: بدل أن تسوّق منتجًا بناءً على مزاياه التقنية، سلّط الضوء على الأثر النفسي أو التحوّل الذي سيحدث في حياة المستخدم.
- أنشئ مسارًا تدريجيًا (Funnel): مثال عملي:
- فيديو توعوي على تيك توك.
- ثم مقالة تعليمية على مدونتك.
- ثم عرض خاص.
- ثم إعلان إعادة استهداف بعد 3 أيام.
- راقب الإشارات السلوكية المبكرة: مثل التفاعل مع الفيديو، حفظ المنشور، قضاء وقت طويل في القراءة، إلخ. هذه كلها إشارات على أن “النية بدأت تتحرك”، حتى إن لم تتم عملية الشراء بعد.
خلاصة القول:
المستخدم ليس دائمًا جاهزًا للشراء، لكنه دائمًا في حالة شعورية قابلة للتشكيل.
إن التحوّل الخفي للنية الشرائية هو الفرق بين إعلان يُغلق بعد ثانيتين، وآخر يُغير تفكير المستخدم تمامًا.
والمسوق الذكي لا ينتظر العميل في نهاية الطريق، بل يبني له المسار، ويضيء له الدرب… من حيث لم يكن ينتظر.