لا يُقاس نجاح الحملات الإعلانية بما تم تحقيقه من عائدات فقط، بل – وهذا ما يغيب عن الكثيرين – بما كان من الممكن تحقيقه لو أُعيد توزيع الميزانية بطريقة أكثر وعيًا وذكاءً.
هنا يأتي مفهوم “تكلفة الفرصة الإعلانية البديلة” (Ad Opportunity Cost)، وهو مبدأ مستعار من علم الاقتصاد، لكنه حين يُطبّق على التسويق الرقمي، يفتح لنا بابًا واسعًا من الوعي التحليلي واتخاذ القرار الأفضل.
ما المقصود بتكلفة الفرصة البديلة؟
هو ببساطة: كل ريال أنفقته على قناة إعلانية، يعني ريالًا لم يُنفق على قناة أخرى ربما كانت تمنحك عائدًا أعلى.
وهنا، لا يكون السؤال فقط: كم ربحت؟بل: كم كان يمكن أن أربح؟
وهذه ليست رفاهية فكرية، بل أساس في تحليل الأداء وتوزيع الميزانيات.
مثال تطبيقي يوضح الصورة:
تخيل أنك نفذت حملة على Google Ads بميزانية 10,000 ريال، وحققت عائدًا إجماليًا 25,000 ريال. أي أن ROAS = 2.5
هذا رقم جيد ظاهريًا.
في الوقت ذاته، جرّبت حملة على TikTok Ads، بميزانية بسيطة – لنقل 2,000 ريال – وحققت منها 9,000 ريال (أي ROAS = 4.5).
السؤال الذي يُغيّر قواعد اللعبة:
ماذا لو كنت خصصت كامل الميزانية لتك توك؟
ربما كنت حققت 45,000 ريال بدلًا من 25,000، ووفّرت الجهد والموارد!
هذا الفارق الضائع، نسميه: تكلفة الفرصة البديلة.
ما أهمية هذا المبدأ؟
لأن الكثير من المسوقين وأصحاب القرار يقعون في فخ الأرقام المطلقة.
فحين يسمعون “حققنا مبيعات 100 ألف ريال”، يشعرون بالرضا.
لكن العبرة ليست في الرقم وحده، بل في نسبة العائد مقارنة بالتكلفة،
ومقارنةً بما كان يمكن تحقيقه في قناة أخرى، أو بنموذج إعلاني مختلف.
كيف تُطبّق المبدأ عمليًا؟
لتستفيد فعليًا من هذا المفهوم، تحتاج إلى أدوات تفكير وتحليل ذكي:
- 1. قارن دائمًا بين القنوات وفق مؤشرات واضحة مثل:
- العائد على الإنفاق الإعلاني (ROAS)
- تكلفة الاكتساب لكل نتيجة (CPA)
- 2. احسب العائد الضائع: تقدير كم كنت ستحقق لو نقلت الميزانية إلى قناة ذات أداء أفضل.
- 3. استخدم توزيع الميزانية التجريبية بنسبة 70/20/10:
- 70% على القناة الأساسية ذات الأداء الثابت
- 20% على قناة بديلة واعدة
- 10% لاختبار قناة جديدة تمامًا
بهذه الطريقة، تضمن الاستفادة من القنوات المجربة، دون إهمال فرص جديدة قد تكون هي الكنز القادم.
أمثلة من الواقع:
قد ترى أن حملات السناب تعطيك نتائج جيدة، لكنك لا تجرّب تيك توك لأن “جمهورنا مش عليه”.
ثم تكتشف بعد تجربة بسيطة أن التكلفة أقل بكثير، والتفاعل أعلى، والعائد مضاعف!
أو أنك تعتمد على Google فقط في حملاتك البحثية، دون تجربة YouTube أو Gmail أو حتى Display Network.
ومع اختبار بسيط، تكتشف أن هناك مساحة ذهبية لم تُستغل بعد.
خلاصة القول:
تكلفة الفرصة البديلة ليست رقمًا، بل نمط تفكير استراتيجي.
المسوق المحترف لا يكتفي بقراءة تقارير الأداء، بل يسأل نفسه دائمًا:
“هل كان هناك خيار أفضل؟ هل حصلت على أقصى ما يمكن من هذا الريال؟”
وهنا، يكمن الفارق بين من يحقق نتائج جيدة… ومن يصنع أداءً استثنائيًا.