عمدًا أو دون عمد، قد تنحاز استراتيجية المحتوى إلى نوع معين من المحتوى، ظنًا من القائمين على التخطيط أو التنفيذ بأن هذا التحيز يحقق أهدافًا معينة لا تتحقق إلا به.
فعلى سبيل المثال: عندما تُلح أهداف المبيعات على الأعمال، تجد تركيزًا كبيرًا على محتوى أسفل القمع، أو على شكل معين أو نوع محدد من المحتوى. ونتيجة ذلك: فجوة كبيرة في المحتوى، كمَّا أو كيفًا، مما يؤدي إلى إحباط العميل وضياع الكثير من الفرص على العمل.
ولأن هذا التحيز هو من أكبر العوائق التي واجهتها خلال رحلتي كمدير ومسوق للمحتوى، قررت أن أولي له بعض الاهتمام، وأن أفصل فيه عسى أن ينفع الله به.
ما هي فجوة المحتوى – Content Gap؟
مررت بالكثير من التعريفات لفجوة المحتوى، والحقيقة أنني لم أجد أبسط من تعريف نيل باتيل له على النحو التالي مع التصريف:
“تشير فجوة المحتوى إلى عدم توافر الموضوعات التي يهتم بها جمهورك المستهدف ويبحث عنها على أي من قنواتك التسويقية.”
وللأمانة، فقد عدَّلت تعريف نيل باتيل قليلًا لتشمل الفجوة جميع القنوات، وليس الموقع فقط، فقد تظهر هذه الفجوة على قنوات أخرى مثل قناتك في يوتيوب أو في البودكاست.
إذن، تحدث فجوة المحتوى عندما يطلب العميل محتوى غير متوفر على قناتك، مما قد يتسبب في إحباطه وضياع الكثير من الفرص. وسأوضح أمثلة ذلك في سياق كل نوع من أنواع فجوة المحتوى.
ما هي أهمية تحديد وعلاج فجوة المُحتوى؟
لتحليل وتحديد فجوة المحتوى أربع أهميات رئيسية، ولا أعتقد أن أي عمل يمكن أن يستغني عن أي منها. فالخلل في واحدة منها يؤثر على الاستراتيجية بالكامل، وهي كالتالي:
تحسين الترتيب في محرك البحث
وهي الغاية النهائية لاستراتيجية تحسين محركات البحث، والحقيقة أن الاهتمام بمعالجة فجوات المحتوى يحقق هذا الهدف بعدة طرق، وهي:
- شمول المحتوى: إذ تعطي جوجل الأولوية للصفحات التي تغطي الموضوعات تغطية شاملة في محرك البحث.
- تحسين الربط الداخلي: فتنوع المحتوى، وتغطيته لأوجه الموضوعات المختلفة والربط بينها داخليًا، يعزز من التقييم العام للموقع، وتحسين ترتيبه.
- استهداف كلمات مفتاحية إضافية: إن اكتشافك للكلمات الجديدة أو المنسية يعني فرصة أكبر للظهور وزيادة في معدلات المرور على الموقع.
- تحسين مقاييس أداء الصفحات: مثل متوسط زمن البقاء داخل الصفحة، ومعدل التفاعل مع الصفحة، ومعدل الارتداد، مما يعني سلطة أعلى وترتيب أفضل.
تحسين تجربة المُستخدم
المحصلة النهائية من تحليل فجوة المحتوى وتحديدها هي: شمول المحتوى وتنظيمه، مما يعني توفير إجابات شاملة وواضحة لكافة أسئلة المُستخدم.
تُحسِّن الإجابة على تساؤلات العميل من تجربته، وتعزز ثقته بك، وتزيد من شعوره بالولاء تجاهك. وتُترجم هذه المنافع جميعها، كما ذكرت سابقًا، في تحسين مؤشرات ومقاييس أداء الصفحات.
فالعميل الراضي يبقى لفترة أطول، ويتفاعل بدرجة أكبر، ويقل معدل ارتداده، مما يزيد من فرص تحويله.
تعزيز سُلطة العلامة التجارية
يُقال عن الشخص إنه عالم إذا أحاط بالأمر علمًا وعملًا. ومن الآثار السلبية التي تتركها فجوات المحتوى أن يشعر العميل أن الجوانب التي لم تُغطِّها تمثل نقطة ضعف لديك، مما يعني عدم وجود سلطة أو ريادة لك في مجالك أو في موضوع منتجاتك وخدماتك.
لذا، يُعتبر الحرص على تحليل وسد فجوات المحتوى من أهم استراتيجيات بناء سلطة العلامة التجارية.
اقتناص الفرص الضائعة
قدم ميتول غاندي على موقع SEOClarity مثالًا رائعًا لفكرة اقتناص الفرص الضائعة تلك.
فقد قارن بين علامتين تجاريتين مختلفتين هما: Carmax.com وCars.com، ووجد أن العلامتين تشتركان في استهداف حوالي 250 ألف كلمة، بينما تتفرد Carmax.com بـ 150 ألف كلمة، وتتفرد Cars.com بـ 450 ألف كلمة، مما يعني أن هناك حوالي 700 ألف كلمة بحثية تمثل فرصة لكليهما!
إذا ترجمنا هذا التفرد إلى حجم بحث ومعدلات مرور، سنجد أن هناك فرصة تزيد عن 100 مليون زيارة ضائعة لكليهما!
تخيل أنه بمعدل تحويل في الصناعة يبلغ 1.5% فقط، يمكن لعلامة تجارية مثل Cars.com أن تزيد عدد العملاء المحتملين بنسبة تصل إلى 30% إذا اهتمت بسد هذه الفجوة واقتناص الفرص الضائعة.
ما هي أنواع الفجوة في المُحتوى؟
هناك أربعة أنواع مختلفة لفجوات المحتوى، وقد تجد أن طريقتي في تحديدها وتصنيفها تختلف قليلاً عن المُنتشر على الإنترنت، ولكن جوهر التقسيم واحد. وهذه الأنواع هي:
فجوة الكلمات المفتاحية
تأتي فجوة الكلمات المفتاحية في عدة صور، وهي:
- أن يستهدف المنافس هذه الكلمات بينما لا تغطيها أنت.
- أن تنشأ كلمات جديدة ويزداد معدل البحث عليها، رغم أنها لم تكن موجودة من قبل.
- ألا تأخذ بعض الكلمات حقها في التغطية والإلمام.
ولنضرب أمثلة سريعة على هذه الصور.
افترض أنك تقدم خدمة طبية وتُنتج المحتوى بهدف الترويج لمركز لتشخيص وعلاج أمراض الأطفال.
إذا استهدفت كلمة مفتاحية مثل “عيادة أطفال في جدة” وتجاهلت كلمة أخرى يبحث عنها عميلك مثل “دكتور أطفال في جدة“، فإنك بذلك تفوّت فرصة كبيرة وتواجه فجوة في المحتوى.
وإذا ظهرت كلمة جديدة مثل “مستشفيات بها عناية مركزة للأطفال” وازداد البحث عنها بينما تقدم هذه الخدمة، دون أن تلاحظها أو تغطيها بمحتوى مناسب، فأنت أيضًا تفوّت فرصة كبيرة وتواجه فجوة في المحتوى.
فجوة الموضوعات
وهو ألَّا يغطي المحتوى المنشور الموضوعات التي يهتم بها العملاء والمستخدمون. ويأتي أيضًا في ثلاث صور، وهي:
- فجوة في رحلة العميل: كأن تهتم مثلًا بكلمة “عيادة أطفال في جدة“، وتتغافل تمامًا عن كلمة مثل “سبب الصفراء عند المواليد“. بينما تستهدف الأولى العميل في أسفل القمع، تستهدف الثانية العميل في أعلاه.
- فجوة في شمول المحتوى: تخيل أنك كتبت عن الأسباب والأعراض والعلاج، ثم نسيت أن تكتب عن أضرارها أو نصائح طبية للأبوين في التعامل معها!
- فجوة في عمق المحتوى: وهي فجوة وصفية وليست كمية. فقد تتناول الموضوع الذي يحتاج إلى سرد وتفصيل باختصار مُخل يُضيِّع القيمة من المُحتوى.
فجوة في تنسيقات وأشكال المُحتوى
تعني الفجوة في تنسيقات المحتوى أن تقدم المحتوى بتنسيق غير ملائم أو تهمل تنسيقًا قد يمثل قيمة إضافية للمستخدمين. وهذان هما الصورتان الأساسيتان، ويمكن تفصيلهما على النحو التالي:
- تفضيلات العملاء: تعني تقديم المحتوى بطريقة تختلف عن الطريقة التي يفضلها العميل. فموضوع مثل “صفار المواليد” يحتاج إلى مكونات بصرية مثل الفيديو أو الصور، بجانب المحتوى النصي، لمساعدة المستخدم على تصور الحالة. إذا غاب هذا المُكون، تحدث فجوة كبيرة.
- غياب تنسيقات تُمثل قيمة مُضافة: مؤخرًا ظهر اتجاه جديد يتمثل في تحويل نصوص المقالات إلى مقاطع صوتية أو مرئية لتسهيل استهلاكها. وقد يُعتبر إهمال هذه التنسيقات تفريطًا في فرص كبيرة، وعدم تلبية لاحتياجات العملاء المتزايدة.
فجوة في نية البحث
هناك عدة نوايا للبحث على محركات البحث، وهي التصفحية والمعرفية والتجارية والبيعية، وسنفصل في هذه النوايا لاحقًا بإذن الله. ولكن لنضرب مثالًا سريعًا الآن…
تأمَّل معي الكلمة المفتاحية السابقة “عيادة أطفال في جدة” وأخبرني: ما الفرق بينها وبين كلمة “عيادات أطفال في جدة“؟
- الكلمة الأولى، وهي مفردة، تعني شيئًا واحدًا فقط، وهو أن العميل يبحث عن عيادة لزيارتها. وبالتالي، فإن نية البحث هنا تجارية في الأساس.
- أما الكلمة الثانية، وهي جمع، فلها احتمالان: الأول أن تكون كسابقتها، والثاني أن نية العميل هي المقارنة بين العيادات المتاحة، مما يجعل نية البحث معرفية وليست تجارية.
حدثت الفجوة هنا عندما بحث المستخدم عن الكلمة بنية تحصيل المعرفة، فوجد نفسه في النهاية يزور صفحة تستعرض خدمات وميزات أصحابها فقط، مما يُخالف توقعاته واحتياجاته.
خاتمة
لم ينتهِ الحديث عن فجوة المحتوى بعد، فهناك الكثير من الأسئلة التي لا يزال يتعين علينا طرحها والإجابة عنها، مثل طريقة التحليل والأدوات وغيرها من الأسئلة المهمة. وهي موضوعات سنغطيها في مقالات قادمة بإذن الله.
والآن فقط أذكرك، بأني موجود إذا ما رغبت في إجراء بحث وتدقيق وتحليل لفجوات المحتوى الذي تنتجه، لتقتنص مزيدا من الفرص، وتحقق أهدافك أسرع وأكفأ.
العلم النافع يجزي الله ناشره خيرًا، فاضرب لنفسك سهمًا.
تنبيه Pingback: تحليل فجوة المُحتوى: خطوة بخطوة وبالتفصيل - مؤمن محمد