هل يُفيد التسويق بالمحتوى في زيادة المبيعات، أم أنه يقتصر على رفع الوعي بالعلامة التجارية فقط؟
على الرغم من أن هذا السؤال هو الأكثر إزعاجًا بالنسبة لي، إلا أنه من حق كل صاحب عمل، وأي شخص سيستثمر جزءًا ليس بالقليل من أمواله ووقته في التسويق بالمحتوى، أن يطرحه، وأن يحصل على إجابة وافية أيضًا، ولذلك كتبت هذا المقال.
في هذا المقال، لن أحاول فقط أن أجيب على هذا السؤال بإجابة وافية وواقعية ومقنعة، بل سأحاول أيضًا تصحيح بعض المفاهيم التي، إذا ما صُحِّحت، أعتقد أن طرح السؤال نفسه سيصبح غير منطقي، وقد تجد نفسك لست بحاجة إلى إكمال قراءة المقال أو حتى معرفة الإجابة بعدها!
عمومًا، دعنا نبدأ، ويمكنك أن تشاركني رأيك بعد ذلك في نهاية المقال.
هل يُفيد التسويق بالمحتوى في زيادة المبيعات، أم أنه لرفع الوعي بالعلامة التجارية فقط؟
الذي يسأل عما إذا كان التسويق بالمحتوى يُفيد في زيادة المبيعات أم أنه يقتصر على رفع الوعي فقط، فإنه يواجه صعوبة كبيرة في فهم طبيعة العلاقة بين الوعي والمبيعات. وهذا موضوع يحتاج إلى معالجة حكيمة مدعمة بالأدلة والأمثلة الواقعية.
لنفترض إذًا أن التسويق بالمحتوى مفيد فعلاً في رفع الوعي بالعلامة التجارية فقط، ولا علاقة له بالمبيعات. فما الفائدة التي يمكن أن أحققها من رفع الوعي، وكيف سيؤثر ذلك على المبيعات؟
دعني أخبرك أن رفع الوعي يعني ببساطة زرع اسم علامتك التجارية في ذهن العميل تدريجيًا وبهدوء. لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ بل أنك أيضًا تربط اسم علامتك بالثقة والجودة والمشاعر الإيجابية المرتبطة بها وبالتالي، في كل مرة يظهر فيها اسم علامتك أمام العميل، ستثير تلك المشاعر، مما يجعلها في مقدمة اختياراته عندما يقرر شراء أحد المنتجات التي تقدمها.
جيد، ولكن، هل هناك دليل واقعي ومُثبت على هذا الكلام؟
بالتأكيد يوجد، ولن أتحدث هنا عن الأدلة المنطقية والشواهد، بل عن تجربة أجرتها مؤسسة نيلسن، التي وجدت أن نقطة واحدة من التحسن على مقياس الوعي بالعلامة التجارية يقابلها تحسن في المبيعات بنسبة (1%) (لا تستهن بالنسبة هذه، لأنها قد تساوي ملايين بالنسبة لبعض الشركات).
إذا، لنخلص من هذا الكلام بفائدة واحدة وهي: الزيادة في الوعي بالعلامة التجارية = زيادة في المبيعات.
العلاقة الخطية بين السبب والنتيجة
وهذا إشكال آخر في أذهان الذين يطرحون هذا السؤال: هل يُفيد التسويق بالمحتوى في زيادة المبيعات؟
الحقيقة أن هناك مغالطة خفية في تفكيرهم، لا يعبرون عنها صراحة، لكن هذا النوع من الأسئلة يكشفها. وهي محاولة رسم خط مستقيم بين جميع المؤثرات والتأثيرات.
نحن نميل إلى رغبة في أن تكون كل شيء في حياتنا بهذا الشكل: (أ) يؤثر مباشرةً على(ب)، وبالتالي يصبح(ب) نتيجة لـ(أ)! لكن الحقيقة أن العلوم الإنسانية بأكملها، بما في ذلك التسويق، لا تقوم على مبدأ السببية بشكل كامل. بل يتم استبداله بمبادئ أخرى مثل الارتباط، والعوامل الوسيطة، والعوامل المؤثرة.
الحقيقة أن السببية لا تجد تمثيلًا إلا في العلوم المادية، وحتى في هذه العلوم ليست حاضرة في جميع الحالات. لذلك، من المستحيل في حياتنا أن نؤكد أن شيئًا حدث بسبب شيء آخر بنسبة100%، أو أن العامل(أ) كان السبب في حدوث النتيجة(ب) بنسبة كاملة. لهذا السبب ظهر المبدأ الإحصائي الشهير: “الارتباط لا يعني السببية”، مما يعني أن وجود تأثير إيجابي بين متغيرين لا يعني أن أحدهما يمكن أن يكون سببًا للآخر.
ويُحل هذا الإشكال ببساطة عندما نفهم أن العلاقة بين المتغيرات في العلوم الإنسانية دائمًا محكومة بمتغيرات أخرى وسيطة. ومن هنا، يمكننا القول إن العلاقة بين التسويق بالمحتوى والمبيعات محكومة بمتغير وسيط آخر، وهو الوعي بالعلامة التجارية. وهذه العلاقة تُعدُّ مفتاح الإجابة على هذا السؤال: هل يُفيد التسويق بالمحتوى في زيادة المبيعات؟
وبهذا يمكن القول إن التسويق بالمحتوى له دور قوي في المبيعات من خلال رفع الوعي بالعلامة وتعزيز مشاعر الثقة ومعاني الجودة لدى العملاء، مما يزيد بذلك احتمال اختيار العميل لعلامتك التجارية على حساب العلامات التجارية للمنافسين.”
الوعي ليس العامل الوسيط الوحيد بين التسويق بالمحتوى والمبيعات
جيد، إلى الآن فهمنا أمرين: أولًا، أن الوعي والمبيعات بينهما علاقة مباشرة؛ وثانيًا، أن الوعي بالعلامة التجارية وسيط في العلاقة بين التسويق بالمحتوى والمبيعات.
لكن، هل الوعي هو الوسيط الوحيد لهذه العلاقة؟ الحقيقة لا، فهناك عوامل أخرى كثيرة وسيطة.
فلنرى كيف ذلك، ونناقشها واحدة تلو الأخرى.
زيادة حجم الوصول
شركة مثل SoulSalt، على سبيل المثال، كان معدل الزيارات الشهرية لموقعها حوالي 600 زائر شهريًا، وبعد الاهتمام بالمحتوى وتحسين السيو، استطاعت أن تحقق متوسط زيارات شهري قدره 147,700.
السؤال هنا: هل عندك شك في أن هذه الزيادة الكبيرة في حجم الوصول لن تُؤثر على عدد الطلبات والمبيعات الخاصة بالشركة؟ قطعًا ستؤثر إيجابًا.
أنا لا أقول إن المبيعات ستتضاعف ثلاث أو أربع مرات، ولكن بالتأكيد يجب أن يكون هناك نسبة تحسن، ولو كانت هذه النسبة حتى 10%، فذلك يعني تحسنًا جذريًا في المبيعات.
زيادة عدد العملاء المحتملين
نشر خالد صلاح، مؤلف كتاب “Conversion Optimization: The Art and Science”، بعض الإحصائيات على موقعه متعلقة بتوليد العملاء المحتملين، ومنها كانت الإحصائية التي تقول: إن الشركات التي تهتم بـ “Lead Nurturing” قادرة على توليد عملاء بنسبة 50% أكثر وبتكلفة أقل بنسبة 33% من الشركات الأخرى التي تهمل هذا الجانب.
والمصطلح السابق، بما أنني لست مختصًا بالترجمة، لم أستطع أن أجد له ترجمة حرفية، ولكنه يعني ببساطة توعية وتعليم وتثقيف العميل، والتي في مجموعها تُعرف بتنشئة العميل.
وهذه العملية بالذات تُعد ميزة حصرية للتسويق بالمحتوى، ولا توجد استراتيجية أخرى، مهما كانت، تحل محله، سواء كان المحتوى رقميًا أو غير رقمي. المهم أن المحتوى يكون شاملاً ومتكاملاً.
والنتيجة المنطقية لزيادة العملاء المحتملين، خاصة مع وجود فريق مبيعات محترف، هي زيادة المبيعات بالتأكيد وبلا شك.
تحسين معدل الغلق والتحويل
مُعدل الإغلاق أو ما يُعرف بـ “Closing Rate” هو نسبة الطلبات التي تم إغلاقها أو العملاء الحقيقيين مقارنةً بالمحتملين. وبحسب دراسة لـ HubSpot (تم تحديثها في عام 2024)، فإن الشركات التي تهتم بتحسين محركات البحث وتنتج محتوى ذا قيمة قادرة على تحقيق معدل إغلاق يبلغ 14.6% مقابل 1.7% لمندوبي المبيعات الخارجيين أو ما يُسمى بـ “Outdoor salesrep”.
فما السبب وراء هذا الأمر؟
تحسين معدل الإغلاق هنا لا يعني أن مندوبي الشركات هؤلاء أفضل أو أكثر مهارة، بل القصة كلها أن هؤلاء المندوبين وجدوا أنفسهم أمام عملاء ذوي نوعية أفضل إلى حد ما، بمعنى أنهم مستعدون للشراء أكثر، وذلك كله بفضل التسويق بالمحتوى.
دعني أشرح لك كيف.
تخيل نفسك معك مغناطيس ووعاء مليء بالتراب، ووسط التراب هذا القليل من برادة الحديد المختلطة به. إذا أردت أن تفصل البرادة عن التراب يدويًا معتمدًا على نظرك الثاقب وصبرك على التنقية، فأنت بذلك تضيع وقتك وجهدك في شيء يكاد يكون مستحيلًا.
لكن تخيل أنك استخدمت المغناطيس الذي بدوره سيجذب البرادة ويفصلها عن التراب بسهولة وفي لحظات!
الأمر نفسه ينطبق على المحتوى؛ فهو يعمل كالمغناطيس والمرشح في آن واحد، حيث يفصل العميل المستعد للشراء والمناسب عن العملاء غير المناسبين بسهولة وفي ثوانٍ. بذلك، يصبح مندوب المبيعات أمام عميل جاه ومهيأ مما يعزز بشكل كبير معدل الإغلاق.
اقرأ أيضًا: فك شيفرة التسويق بالمحتوى: 17 سؤالًا تُجيبك عن كل ما يُحيِّرك
خاتمة
قد تشعر بأن هناك بعض الأمور التي اعتدت على قراءتها غير موجودة في المقال هذا، مثل أن تقول: أين دور المحتوى في كسب الثقة وتعزيز الولاء والتحفيز وغيرها من الأمور الموجودة في كل الكتب والمقالات؟
سأوضح لك السبب في عدم ذكرها هنا؛ فكل هذه الأمور قد نوقشت في عشرات الكتب والمقالات. وأنا حريص هنا على أن أفتح لك زاوية جديدة يرى من خلالها أولئك الذين يتساءلون عما إذا كان التسويق بالمحتوى مفيدًا في المبيعات حقًا. وأنا واثق أن بقية الكتب والمصادر ستغطي لك الجوانب التي قد تشعر أنها ناقصة بشكل جيد.
وفي النهاية، إذا كنت ترغب في التواصل معي في أي وقت بخصوص التسويق بالمحتوى، سواء للتخطيط له أو لإدارته والإشراف عليه، فلا تتردد، أنا في انتظارك في أي وقت.
العلم النافع يجزي الله ناشره خيرًا، فاضرب لنفسك سهمًا.
تنبيه Pingback: التسويق بالمحتوى: استراتيجية صناعة الثقة وسلطة العلامة التجارية - مؤمن محمد
تنبيه Pingback: كيف زادت بليندرتيك مبيعاتها 700%عن طريق التسويق بالمحتوى فقط؟ - مؤمن محمد
تنبيه Pingback: ضعف معدل تحويل صفحة المنتجات: الأسباب المُحتملة والحلول المُقترحة - مؤمن محمد