هل تساءلت يومًا كيف تتطوّر أدوات الذكاء الاصطناعي لتُصبح قادرة على الإجابة عن أسئلة دقيقة، بل وتقديم ترشيحات شخصية وكأنها تعرفك؟
الإجابة تبدأ من هنا: البيانات. لكن ليست أي بيانات، بل محتوى موثوق، مكتوب بعناية، صادر عن جهات ذات خبرة.

أمازون أدركت هذا الأمر مبكرًا، وبدأت في إبرام اتفاقيات استراتيجية مع ناشرين عالميين، لتزويد مساعدها الذكي Rufus ومجموعة من خدماتها بمحتوى غني ودقيق يعزّز تجربة التسوّق ويرفع جودة التوصيات.

ما طبيعة هذه الاتفاقيات؟ ومن هم الشركاء؟

  • The New York Times (NYT):
    وقّعت أمازون اتفاقية ترخيص مع الصحيفة تتيح لها استخدام محتوى من أقسام متخصصة مثل NYT Cooking وThe Athletic، سواء لاستخلاص ملخّصات أو لتدريب نماذجها الذكية مثل Alexa+ وRufus
  • Condé Nast وHearst:
    تشمل هذه الاتفاقيات محتوى من مجلات واسعة التأثير مثل Vogue وCosmopolitan وGood Housekeeping. الهدف هو استخدام هذا المحتوى لتحسين جودة الإجابات التي يُنتجها Rufus في سياقات التسوق، والترشيحات التفاعلية للمستخدم

ما الذي يجعل هذه الخطوة محورية؟

دعنا نُبسّط الأمر: أنظمة الذكاء الاصطناعي لا تُفكر بذاتها، بل تعتمد على ما تتعلّمه من البيانات. وكلما كانت هذه البيانات موثوقة ومنظمة، زادت قدرتها على تقديم نتائج ذكية، دقيقة، وآمنة.

وفي هذا السياق، تُحقق أمازون ثلاث فوائد حقيقية:

  1. تحسين تدريب الذكاء الاصطناعي:
    المحتوى الصحفي عادةً ما يكون محررًا بعناية، ويخضع لمراجعة تحريرية، مما يجعله مصدرًا مثاليًا لتدريب النماذج.
  2. رفع جودة تجربة المستخدم:
    بدلاً من إجابات سطحية أو عامة، يستطيع Rufus تقديم توصيات مبنية على مراجعات ومقالات متخصصة. تخيّل أن تسأل: “ما أفضل مرطّب للبشرة الجافة؟” فيأتيك الرد مدعومًا بتحليل منشور في Good Housekeeping أو Cosmopolitan.
  3. تفادي النزاعات القانونية:
    في ضوء القضايا التي تواجهها شركات مثل OpenAI ومايكروسوفت بشأن استخدام محتوى صحفي دون ترخيص (Financial Times)، قررت أمازون أن تسلك طريقًا أكثر استدامة: الدفع مقابل الاستخدام العادل.

ماذا يعني هذا عمليًا؟

فلنأخذ مثالين:

  • التوصية المدمجة بالصوت:
    حين يسأل المستخدم Alexa: “ما أفضل مقهى قريب له تقييم عالٍ؟”، قد يكون الجواب مستندًا إلى ترشيح ورد في تقرير من NYT.
  • تجربة تسوق موجهة:
    عميل يبحث عن “هدايا تحت 500 ريال”. بفضل تكامل المحتوى من Condé Nast، يمكن أن يُرشَّح له منتج مذكور تحديدًا في مقال عن “أفضل الهدايا في موسم العيد”، مشفوعًا بتفاصيل تُبرز نقاط قوته.

كيف يغيّر هذا مستقبل محركات البحث داخل المتاجر؟

  • تحويل الأسئلة إلى استشارات ذكية:
    المستخدم لم يعد يكتب “منتج تنظيف”، بل يسأل: “ما أنسب منتج لتنظيف الرخام دون أن يترك أثرًا؟”، ويُتوقَّع أن يحصل على إجابة مدعومة بالمصادر. هذا التحوّل يتطلب محتوى غني وسياقي، تمامًا كما تُقدّمه هذه الشراكات.
  • تخصيص النتائج:
    من خلال دمج سلوك المستخدم مع محتوى موثوق، يمكن للنظام ترشيح منتجات ليست فقط متوافقة مع السؤال، بل منسجمة أيضًا مع تفضيلات الشراء السابقة.

وذلك وفق مصادر عدة منها captechu.edu، retaildive.com، aboutamazon.com

سيناريو واقعي: ماذا لو استُخدم Rufus في دعم العملاء؟

تصوّر شركة تجارة إلكترونية تستقبل استفسارات العملاء عبر الدردشة. بدلًا من رد تقليدي، يأتي الرد من Rufus، مُدعّمًا بمحتوى من NYT أو Hearst، بصيغة عملية:

“وفقًا لتقرير منشور في

NYT Cooking، يُنصح باستخدام هذا النوع من الزيت عند تحمير الأسماك، لأنه يمنح قرمشة دون أن يُغير الطعم

.”

هذه النوعية من الإجابات ترفع موثوقية المنصة، وتُعطي انطباعًا بأن الشركة تُقدّر تجربة العميل، وتفهم احتياجاته.

ما الذي يمكن أن يتعلمه أصحاب الأنشطة من هذا التوجّه؟

  1. لا تستخفّ بالمحتوى التحريري الجيد:
    ما تكتبه اليوم — إن كان ذا قيمة حقيقية — قد يُستخدم غدًا في تحسين توصيات البحث، أو حتى ضمن نماذج ذكاء اصطناعي.
  2. الموثوقية تُصنع، ولا تُشترى:
    العملاء سيثقون بالتوصيات إن علموا أنها تستند إلى مصادر معروفة. بناء هذه الثقة لا يأتي عبر الحملات الإعلانية فقط، بل من خلال شراكات استراتيجية وشفافة.
  3. من يملك المحتوى، يملك التأثير:
    أمازون لا تكتفي ببيع المنتجات، بل تبني منظومة معرفية تُرشد المستخدم وتؤثر على قراراته. هذا درس بالغ الأهمية لكل علامة تسعى لتوسيع حضورها الرقمي.

الخلاصة

حين تتجه شركة بحجم أمازون إلى عقد شراكات مع مؤسسات صحفية، فذلك ليس ترفًا تقنيًا، بل خطوة استراتيجية تُعيد تعريف تجربة الشراء والبحث. المحتوى، حين يكون دقيقًا ومُرخصًا، يتحوّل من مادة للقراءة إلى وقود للذكاء الاصطناعي.

المقال سـ & جـ

لماذا تُبرم أمازون اتفاقيات مع ناشرين مثل The New York Times وCondé Nast؟

لأنها تسعى لتدريب أنظمتها الذكية على محتوى موثوق، محرر بعناية، مما يعزّز دقة التوصيات وجودة تجربة المستخدم داخل منصّتها.

ما الفائدة الفعلية لهذه الشراكات على تجربة التسوّق؟

تتيح تقديم إجابات ذكية ومخصصة، مدعومة بمحتوى تحريري من مصادر موثوقة، ما يجعل توصيات التسوّق أكثر صلة بسلوك واحتياجات المستخدم.

كيف تختلف نتائج البحث المعززة بـRufus عن البحث التقليدي؟

بدلاً من البحث بكلمات مفتاحية، يمكن للمستخدم طرح أسئلة طبيعية، ويحصل على إجابات دقيقة مستندة إلى مقالات تحليلية موثوقة، لا إلى أوصاف المنتجات فقط.

هل هناك بعد قانوني وراء هذه الاتفاقيات؟

نعم. أمازون تتجنب النزاعات القانونية المتعلقة باستخدام محتوى الصحف عبر التراخيص الرسمية، بعكس بعض المنصات التي واجهت دعاوى بسبب الاستخدام غير المصرّح به.

ما الذي يمكن أن يتعلّمه أصحاب الأنشطة من هذه الخطوة؟

أن المحتوى التحريري عالي الجودة لم يعد وسيلة تسويقية فقط، بل أصل استراتيجي يمكن أن يُوظَّف ضمن أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحسين الظهور والتأثير.

كيف يمكن للعلامات التجارية الاستفادة من هذا النموذج؟

من خلال إنتاج محتوى متخصص وموثوق، والدخول في شراكات معرفية تضمن أن يتم استخدام هذا المحتوى ضمن قنوات ذكية تزيد من فرص الوصول والتوصية.

اترك أول تعليق