من الأدوار التي كثيرًا ما يُساء تقديرها في كثير من الأعمال، والناشئة منها خاصةً، هو دور مدير التسويق. والسبب في ذلك هو تفضيل هذه الشركات والأنشطة التجارية التعامل مباشرةً مع وكالات تسويقية لخفض التكاليف، أو توكيل مهامه إلى واحد من مُنفذي أي من الأدوار التسويقية في الفريق، مثل الكتابة أو التصميم أو السيو… إلخ.
وما أراه حقيقةً أن مدير التسويق هو شخص لا يمكن التعامل مع دوره بهذه الطريقة، فلا يمكن الاستغناء عنه حتى ولو كنت تتعامل مع وكالة تسويقية، ولا يمكن أن يتولاه أي أحد في الفريق، بل لا بد من شخص متخصص ذي خبرة.
وفي هذا المقال، سأوضح لك من واقع خبرتي أهمية هذا الدور، والتي هي أكبر من أن يتولاها أي أحد، وأهم من أن نتجاوزها بالتعاقد مع الوكالات التسويقية، فتابع معي…
تحديد الاتجاه والاستراتيجية العامة للتسويق
وهو الدور الأهم والأول لمدير التسويق في أي شركة؛ إذ يعمل على تطوير الاستراتيجية التسويقية للشركة، والتي تجيب مباشرةً وبوضوح على هذا السؤال: كيف سنحقق أهداف العمل من خلال التسويق؟
وللإجابة على هذا السؤال، يعمل مدير التسويق على عدة أمور من أهمها:
- يدرس السوق ويفهم آلياته: إذ يجيب عن أسئلة مثل: ما هي العوامل المحركة للسوق؟ أو ما يُسمى بديناميكية السوق، وما هي أهم اتجاهاته، وحجمه، والقوى المؤثرة فيه… إلخ.
- تموضع العلامة ونقاط قوتها: حتى وإن اشتركت أطراف عدة في تكوين التموضع، فإن التصور النهائي له هو مسؤولية قسم التسويق.
- يفهم العميل واحتياجاته: كيف يتخذ العميل قراره؟ ما هي مشكلاته؟ ما هي الحلول المطروحة؟ ما هي الفئات المختلفة؟ ما هي احتياجات كل فئة؟ وكيف يؤثر فيها؟
- يحدد الأهداف التسويقية: سواء كانت طويلة المدى أو قصيرة المدى.
- يختار الاستراتيجيات والتكتيكات المناسبة: ما هو الأنسب؟ التسويق بالمحتوى أم العمل مع المؤثرين؟ كيف نجمع بينهما؟ وكيف تدعم استراتيجية الترويج المدفوع كل ذلك؟ وغيرها من الأسئلة التي تمثل في مجملها أهم استراتيجيات التسويق.
وهذه ليست قائمة شاملة لما تعنيه كلمة “تحديد الاتجاه العام للتسويق”، وإنما هي الأهم فقط.
ضمان استمرارية واتساق الأنشطة التسويقية
وهذه هي الأهمية الثانية لمدير التسويق؛ فلا يكفي أن يحدد المدير الوجهة العامة للتسويق والشركة، بل يجب أن يضمن استمرارية السعي نحو الأهداف وفي هذه الوجهة.
وذلك عن طريق عدة أدوار منها:
- إعداد الخطة التنفيذية: والتي تشمل تحديد وتوزيع الأدوار على الفريق خلال دورات وحملات التسويق المختلفة.
- تصميم العمليات وإطار العمل: إذ يطور نظامًا يعرف كل فرد في القسم دوره ومهمته فيه؛ فتُنفذ المهام ليس فقط بأقل وقت، بل وبأعلى كفاءة وجودة ممكنة.
- تدريب الفريق على العمليات وإطار العمل: للتأكد من فهم كل فرد له، واستيعابه لدوره، وترتيبه في عمليات الإنتاج.
غياب مدير التسويق يعني أن أي استراتيجية ستبقى مجرد كلام على ورق، ما لم تتحول إلى خطط تنفيذية ونظام يعمل من خلاله كل فرد في الفريق.
اقرأ في هذا السياق: انتهى الموسم وتأثرت المبيعات؟ لا تستسلم! إليك ما تفعله لتقلب الموازين
ضمان جودة المُخرجات والأنشطة التسويقية
وهنا نأتي إلى أصعب أدواره، والمهمة التي تميز حقيقةً المدير التسويقي ذا الكفاءة عن غيره، وهي قدرته على التحكم في جودة مخرجات الفريق. ويتم التحكم في هذه الجودة من خلال:
- تحديد معايير الأداء الجيد: وذلك لكل فرد داخل فريق التسويق؛ فما الذي تعنيه كلمة “محتوى جيد”؟ وهل يلتزم الكاتب بهذه المعايير؟ وما الذي نعنيه بـ”تصميم جذاب”؟ وهل حقًا ينفذ المصمم مثل هذه التصميمات؟
- تحديد مقاييس الأداء: وغيرها من مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) بغرض التأكد من أن الأنشطة التسويقية والموارد المُسخرة فيها تحقق الأهداف المحددة لها، ومن ثم الأهداف التسويقية العامة، وهدف العمل إجمالًا.
- تدريب الفريق وتأهيله: فلو أن فردًا أو أكثر في الفريق لا تتسق مُخرجاتهم مع معايير الأداء، يأتي دور مدير التسويق في تدريبهم وتأهيلهم.
- اختيار الكفاءات: اختيار واقتناص الكفاءات ليس فقط في بداية تكوين الفريق، بل وأيضًا استبدال الضعفاء غير القابلين للتطوير بآخرين ذوي كفاءة عالية.
اقرأ في هذا السياق: ضعف معدل تحويل صفحة المنتجات: الأسباب المُحتملة والحلول المُقترحة
بتحديد المعايير والمقاييس، ثم التأكد من التزام الفريق بها، وتدريبهم عليها، وتوظيف الكفاءات أو استبدال الحاليين، بذلك يضمن مدير التسويق جودة العمل ككل.
إدارة الموارد المُتاحة
من المفترض أن يحدد مدير التسويق الموارد المطلوبة لتحقيق الأهداف، وهذا صحيح في حالة الشركات الكبيرة. أما الشركات الصغيرة والمتوسطة، وحتى نكون واقعيين، فإن دوره هو إدارة المتاح فقط.
فهو الذي يحدد نصيب كل استراتيجية وكل تكتيك من الميزانية التسويقية وفق أهميتها وإسهامها وقدرتها على تحقيق الأهداف.
والموارد ليست مقتصرة على الميزانية فقط؛ ودعني أضرب لك مثالًا:
في أثناء إدارتي لأحد المتاجر الإلكترونية، كانت هناك خبيرة متخصصة في المنتج وتستطيع الإجابة عن تساؤلات العميل بكفاءة. والسؤال هنا: لماذا لا نستفيد منها في صناعة سلاسل من المحتوى التثقيفي؟ وهكذا…
اقرأ في هذا السياق: خطوة بخطوة: كيف تُعد ميزانية التسويق بالمحتوى وتوزعها؟
دعم المبيعات
في رأيي، بخلاف التجارة الإلكترونية، فإن قسم التسويق ليس مسؤولًا مسؤولية مباشرة عن المبيعات، بل مسؤولية غير مباشرة، وذلك بدوره الحيوي والمؤثر مع قسم المبيعات أو خدمة العملاء، والذي يتمثل في:
- التدريب الفني على المنتجات: فمدير التسويق، بحكم تمكنه ومعرفته العميقة بالمنتج والعميل، يستطيع أن يقدم تدريبًا فنيًا على المنتجات للفريق.
- توليد العملاء المحتملين: قد لا يكون مدير التسويق مسؤولًا مسؤولية مباشرة عن المبيعات، ولكنه مسؤول عن توليد العملاء المحتملين، والتأكد من ملء قنوات المبيعات بشكل مستمر.
- تقييم وتتبع أداء المبيعات: لا تزال هناك نسبة مهمة جدًا يُسأل عنها قسم المبيعات مباشرة، وهي معدل التحويل. فيجب تتبعها باستمرار، وإذا ما تأثرت، يجب تقييم الوضع وتقديم الدعم لتحسينها.
اقرأ في هذا السياق: الآلاف يزورون متجرك، ولكن دون مبيعات! تُرى ما السبب؟
الاتصال الخارجي والداخلي
ولنا مع هذا الدور وقفة …
أولًا: الاتصال الداخلي
أي قسم لا مدير له يتحمل عبئه ومسؤوليته، ستُفرض عليه العزلة بشكل أو بآخر، وسيعمل أعضاء فريقه بمعزل تام عن باقي الشركة. وهذا أمر إن كان يضر بالشركة قيراطًا واحدًا في حالة أي قسم، فهو يضر بها أربعة وعشرين قيراطًا في حالة قسم التسويق!
مسؤولية مدير التسويق عن التواصل مع الأقسام الأخرى داخل الشركة، مثل:
- إدارة المنتجات
- الحسابات
- سلاسل الإمداد
- المبيعات
- المكاتب العلمية
- البحث والتطوير
- خدمة العملاء
- تكنولوجيا المعلومات (IT)
كلها تسمح بتبادل المعلومات بين الأقسام وبعضها، وبالتالي سهولة ودقة في التخطيط، ومرونة في الحركة، وسرعة في اتخاذ القرار.
ولو غاب هذا الاتصال، فهذا يعني أن التسويق سيعمل بمعزل عن الاستراتيجية والتوجه العام للشركة، كما أن الشركة ستُحرم من أهم مواردها وهو معلومات السوق.
ثانيًا: الاتصال الخارجي
في إحدى الشركات التي عملتُ بها كمدير للتسويق، كانت تكافح مكافحة شديدة لتطوير وتهيئة نظام إدارة العملاء CRM الخاص بها، وظل هذا المشروع معلقًا لأشهر إلى أن توليتُ مسؤوليته وصرتُ مسؤولًا عن التنسيق الخارجي مع مطوري النظام حتى اكتمل.
والأمر قد لا يتوقف هنا أيضًا؛ فهب أنك ترغب في أن توكل جزءًا أو حتى كل أنشطتك التسويقية لوكالة تسويقية خارجية، ففي هذه الحالة، من يضمن لك أن هذه الوكالة تسير في الاتجاه الصحيح وبالخطوات الصحيحة؟
أم أنك تنوي العمل معها لأشهر مستثمرًا فيها مبالغ مالية كبيرة لتكتشف في النهاية أن النتائج لم تكن كما تتوقع وتضيع عليك أموالك؟
كذلك تخيل أنك ترغب في التعاقد مع مستقلين أو التعاون مع مؤثرين أو التواصل مع جهات خارجية لها دور بشكل أو بآخر في التسويق؟
مدير التسويق هو المسؤول عن كل ذلك، وغيابه يعني تأثر كل أشكال التواصل المذكورة بالأعلى!
التقييم المستمر للعمل ومدى تحقق الأهداف
هذه المهمة بالتحديد لا ينوب عن مدير التسويق فيها أحد، وذلك لأنها مهمة معقدة في طبيعتها؛ فهي لا تنتهي عند القول بأننا قد حققنا أهدافنا أو لا، بل بالإجابة عن: لماذا لم نحقق أهدافنا، أو لماذا حققنا أهدافنا؟
والإجابة على السؤال “لماذا” عملية معقدة للغاية تشمل:
- تحليلًا دقيقًا للبيانات.
- فهمًا عميقًا للبيئة الداخلية للعمل.
- درايةً بالمهارات والقدرات المتاحة للفريق.
هذا بالإضافة إلى الإلمام بالاستراتيجية التسويقية وأهدافها.
وهذه الأمور لن يستطيع أن يأتي شخص من خارج الشركة أو النشاط التجاري ويجيبك عنها مباشرة! كذلك لن تستطيع أنت أن تجيب عليها كصاحب عمل، لافتقارك إلى واحدة على الأقل من هذه الشروط الأربعة!
خاتمة
هل تعتقد أني بالغتُ في تقدير أهمية مدير التسويق، وشهادتي فيه مجروحة باعتباره واحدًا من أهم الأدوار والخدمات التي أقدمها لعملائي وللشركات التي أتعاون معها؟
بالنسبة لي، لا أظن أني قد بالغتُ، حتى ولو كانت شهادتي مجروحة، والسبب في ذلك ببساطة أن أهم ما في الجسد رأسه، ولو غاب الرأس فهو إما جثة هامدة أو مجنون متخبط!
ورأس التسويق هو مدير التسويق، ولو غاب مدير التسويق فالقسم ميت أو يتحرك دون وعي ودراية.
وهنا تأتي دعوتي إليك: هل ترغب في التعاون مع مدير تسويق محترف يدير لك الفريق وكافة العمليات، ومع تحقق هذه الأهداف وتمتلك تلك الميزات؟
في هذه الحالة، تواصل معي ولا تتردد.