في السنوات الأخيرة، تغيّر المشهد الرقمي بوتيرة غير مسبوقة. ما كنا نعتبره قبل أعوام قنوات موثوقة لجذب العملاء والتفاعل معهم، أصبح اليوم تحت رحمة خوارزميات معقدة وذكاء اصطناعي متطور لا يرحم. منصات البحث والتواصل الاجتماعي، التي شكّلت لعقدين بوابة الجمهور إلى العلامات التجارية، بدأت تنحاز لنفسها أولًا… وتهمّش الباقي.

في هذا السياق، يصبح البريد الإلكتروني اليوم أكثر من مجرد قناة تسويقية تقليدية. إنه – فعليًا – الحصن الأخير الذي لا يزال يمنح الشركات تحكمًا حقيقيًا في علاقتها بجمهورها، بعيدًا عن مزاج الخوارزميات وتقلبات المنصات.

كيف وصلنا إلى هنا؟

1. تراجع الدور التقليدي لجوجل

حتى وقت قريب، كانت نتائج البحث العضوية على جوجل تمثل مصدرًا ثابتًا للترافيك. الشركات استثمرت الآلاف في تحسين مواقعها (SEO) لضمان الظهور في الصفحة الأولى، لأن هذا كان يعني زوارًا، عملاء، ومبيعات.

لكن في 2024 و2025، تغيّر كل شيء.

مع إطلاق ميزة Google AI Overviews، أصبحت جوجل تقدّم إجابات فورية للمستخدمين، تعتمد على محتوى المواقع… من دون أن يضطر المستخدم إلى زيارة أي موقع.

بحسب تقرير لـWall Street Journal، انخفضت الزيارات العضوية لعدد من المواقع الإخبارية – مثل Business Insider – بنسبة وصلت إلى 55%. أي أن المحتوى ما زال يُستهلك… لكن الزيارة لا تحدث.

فإذا كانت شركتك تعتمد على جوجل كرافد أساسي للترافيك، من الضروري أن تسأل: هل لديّ بديل أملكه بالكامل؟

2. المنصات تسرق أدوات التخصيص… قطعة قطعة

في السابق، كان بإمكانك الوصول لمتابعيك على فيسبوك أو إنستغرام بسهولة. تنشر محتوى، يصلهم، يتفاعلون، ثم تتابع بناء العلاقة. اليوم؟ الأمر مختلف تمامًا.

الخوارزميات الجديدة أصبحت تحاصر الوصول العضوي (organic reach) بشكل منهجي. في بعض الحالات، لا يرى منشورك أكثر من 2% من جمهور صفحتك، ما لم تدفع. وفي الوقت نفسه، تقلصت قدرات الاستهداف الدقيق، خاصة بعد تغيّرات الخصوصية التي تبنّتها Apple وGoogle، مما جعل بناء جمهور مخصّص مهمة أكثر صعوبة وتكلفة.

حتى منصات مثل TikTok وReels، التي تبدو مغرية من حيث الانتشار، لا تمنحك علاقة حقيقية بالجمهور. ملايين المشاهدات قد لا تعني شيئًا إن لم تمتلك وسيلة مباشرة للتواصل خارج المنصة.

3. الخوارزميات لا تحب المحتوى العضوي

أي مسوّق جرّب النشر المجاني في السنوات الأخيرة يعرف أن الخوارزميات أصبحت تميل للمحتوى القصير، الترفيهي، أو المثير للجدل. أما المحتوى التعليمي، أو الإرشادي، أو طويل المدى؟ فغالبًا ما يُهمَّش.

وهنا تكمن الأزمة الحقيقية: المنصات لم تعد قناة ترويج، بل صارت حاجزًا بينك وبين جمهورك. تخبرك بمن يصل المحتوى إليه، ومتى، وكيف.

البريد الإلكتروني: لماذا هو مختلف تمامًا؟

ما يجعل البريد الإلكتروني فريدًا في هذا الزمن المضطرب، هو بساطة العلاقة:

قائمة تمتلكها، رسالة تكتبها، جمهور يفتح ويقرأ.

وهذه ليست مجرد عواطف أو نوستالجيا. بل حقائق تؤكدها البيانات:

  • في 2025، ما يزال البريد الإلكتروني يحقق متوسط عائد استثمار (ROI) يصل إلى 42:1، أي مقابل كل ريال تنفقه عليه، قد تربح 42 ريالًا.Email Element – 2025
  • حسب تقرير Marigold – Consumer Trends Index 2025 فإن 77% من المستهلكين يتفاعلون مع الرسائل التي تتضمن عروضًا حصرية، و86% يستجيبون لعروض موسمية عبر الإيميل.

تخيّل هذا السيناريو:

شركة متخصصة في تدريب المحاسبين بدأت تعتمد بشكل أساسي على حملات إعلانية عبر إنستغرام. في أول 3 أشهر، كانت النتائج مبشرة: مبيعات يومية، تفاعل جيد، عائد إعلان جيد.

ثم تغيّرت خوارزمية المنصة. فجأة، الإعلانات تكلف أكثر، التفاعل قلّ، والنتائج لم تعد مرضية.

ما الذي أنقذها؟ قائمة بريدية كانت قد جمعتها خلال تلك الحملات.

فعندما أوقفت الإعلانات مؤقتًا، بدأت ترسل رسائل مخصصة لآلاف المهتمين. العائد لم يكن فقط جيدًا… بل أكثر استدامة من السابق.

البريد الإلكتروني ليس بديلاً… بل ضرورة

ليس المقصود أن نستغني عن المنصات أو السيو أو الذكاء الاصطناعي.

لكن الاعتماد الكلي عليها مع استبعاد البريد الإلكتروني من استراتيجية التسويق هو – ببساطة – خلل في التفكير.

البريد اليوم هو خط الدفاع الأخير الذي لا تستطيع المنصات قطعه، ولا الخوارزميات التدخل فيه، ولا الذكاء الاصطناعي تقليص تأثيره.

بل على العكس، يمكن تسخير الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإيميلات عبر:

  • التخصيص التلقائي حسب السلوك
  • الأتمتة الذكية
  • تحسين العناوين والمحتوى بناءً على البيانات

كيف تبدأ من الآن؟

  1. ابدأ بجمع العناوين مبكرًا، وبشكل قانوني.
    لا تنتظر حتى يتراجع أداء المنصات.
  2. أعطِ سببًا حقيقيًا للاشتراك:
    خصم، مورد مفيد، دعوة لورشة… أي شيء ذي قيمة.
  3. استخدم الأدوات المناسبة:
    مثل Mailchimp أو Campaign Monitor أو Klaviyo، بحسب مستوى احتياجك.
  4. خصص الرسائل:
    لا ترسل رسالة واحدة للجميع. قسّم جمهورك حسب الاهتمام والسلوك.
  5. تابع وحسّن بناءً على النتائج:
    تابع من يفتح، من يضغط، من يشتري… وعدّل حملاتك باستمرار.

كلمة أخيرة

في عصر تزداد فيه سيطرة المنصات والذكاء الاصطناعي على التفاعل مع الجمهور، لا تفرّط في ما يمكنك امتلاكه بالكامل.

البريد الإلكتروني ليس وسيلة قديمة، بل قناة مرنة، قابلة للتطوير، وآمنة استراتيجيًا.

وقد يكون – بكل وضوح – الفرق بين نشاط تجاري هش… وآخر يستمر رغم العواصف.

المقال سـ & جـ

لماذا لم يعد جوجل مصدرًا موثوقًا لجلب الزيارات للمواقع؟

لأن محركات البحث، مثل Google AI Overviews، باتت تعرض إجابات فورية للمستخدمين من دون الحاجة لزيارة المواقع، مما أدى إلى انخفاض كبير في الترافيك العضوي.

ما سبب تراجع فعالية المنصات الاجتماعية في الوصول للجمهور؟

الخوارزميات أصبحت تحاصر الوصول العضوي وتقلص إمكانيات التخصيص، بينما تفرض الدفع مقابل الوصول، مما يجعل بناء علاقة مباشرة مع الجمهور أصعب وأغلى.

هل ما زال البريد الإلكتروني قناة تسويقية فعّالة؟

نعم، وبشدة. البريد الإلكتروني يمنحك تحكمًا كاملًا بقائمتك، ويحقق متوسط عائد استثمار يصل إلى 42:1، بحسب بيانات موثوقة لعام 2025.

كيف يمكن أن ينقذ البريد الإلكتروني الأعمال من تقلبات المنصات؟

عبر الاعتماد على قائمة بريدية تملكها، يمكن إعادة استهداف الجمهور والتواصل معه حتى عند توقف الإعلانات أو تغيّر خوارزميات المنصات.

ما الخطأ الاستراتيجي الذي تقع فيه كثير من الشركات؟

إهمال البريد الإلكتروني والتركيز الكامل على المنصات والخوارزميات، رغم أنها لا تضمن الاستمرارية أو التحكم الكامل في العلاقة مع الجمهور.

كيف يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في حملات البريد الإلكتروني؟

باستخدامه في تخصيص المحتوى، وأتمتة الرسائل، وتحسين العناوين والتوقيتات بناءً على بيانات تفاعلات المشتركين.

اترك أول تعليق