تخيّل هذا الموقف: تدخل متجرًا لشراء عطر، لا تعرف تحديدًا ما الذي تبحث عنه، لكنّك تتجوّل، تتشمّم، تتذكر تجربة قديمة، تقارن الأسعار، ثم تقرر فجأة أن هذا هو العطر المناسب لك.

قد يبدو قرارك عفويًّا، لكنه في الحقيقة نتاج سلسلة معقّدة من المحفّزات النفسية والسلوكية والبيئية.

هنا تبدأ رحلتنا نحو فهم “السلوك الشرائي للعميل”.

أولًا: ما هو السلوك الشرائي؟

السلوك الشرائي هو مجموعة العمليات الذهنية والعاطفية التي يمر بها العميل من لحظة إدراكه لحاجة ما، وحتى اتخاذه قرار الشراء، وربما ما بعد ذلك أيضًا.

وهذا السلوك ليس محصورًا في اللحظة التي يخرج فيها العميل من المتجر أو يُنهي عملية الدفع عبر الإنترنت، بل هو سلسلة ممتدة تشمل:

  • مرحلة ما قبل الشراء: الإدراك، البحث، التقييم
  • مرحلة الشراء: اتخاذ القرار، التنفيذ
  • مرحلة ما بعد الشراء: التقييم، إعادة الشراء أو ترك العلامة

في دراسة تعود إلى أستاذ بكلية هارفارد لإدارة الأعمال، يُشير إلى أن حوالي 95٪ من العمليات المعرفية – بما فيها الفكر والعاطفة – تتم في العقل اللاواعي. قد يُستخدم هذا الرقم شائعًا في تحليل قرارات الشراء، كدلالة على أن الجزء الأكبر من عملية اتخاذ القرار يحدث بلا وعي، وليس عن وعي كامل

ثانيًا: ما الذي يدفع العميل إلى الشراء؟

في السوق، لا أحد يشتري منتجًا فقط لأنه موجود، بل لأنه يعتقد – شعوريًّا أو لا شعوريًّا – أن المنتج سيُحسن من وضعه بطريقة ما.

هذا الدافع قد يكون:

  • عقلانيًا: مثل الجودة، السعر، الأداء
  • عاطفيًا: مثل الشعور بالفخامة، الانتماء، الأمان

لنأخذ مثالًا: شخص يشتري سيارة كهربائية.

قد يشتريها لأنها اقتصادية (عقلانية)، أو لأنها تعكس وعيًا بيئيًا (اجتماعي)، أو لأنها ببساطة تُشعره بأنه متفوق تقنيًّا (عاطفي).

وهذا ما يجعل فهم “الدوافع النفسية” أمرًا حاسمًا في أي حملة تسويقية فعالة.

ثالثًا: خطوات رحلة الشراء

1. إدراك الحاجة

هي اللحظة التي يشعر فيها العميل بوجود فجوة بين حالته الحالية والمرغوبة.

هذا الإدراك قد يكون ذاتيًا أو ناتجًا عن مؤثر خارجي مثل إعلان، تجربة، أو حتى نصيحة من صديق.

> مثال: يرى أحدهم إعلانًا عن حذاء مضاد للانزلاق بعد أن انزلق في الحمام قبل يومين. فجأة يتحول الإعلان إلى “حل” لمشكلة واقعية.

2. البحث عن المعلومات

بمجرد أن يدرك العميل حاجته، يبدأ بالبحث:

ما الخيارات المتاحة؟ من يقدم الأفضل؟ ما تجارب الآخرين؟

تقرير صادر عن Google يؤكد أن 53% من المستهلكين يبحثون في الإنترنت قبل اتخاذ أي قرار شرائي، حتى لو كان الشراء من متجر فعلي.

3. تقييم البدائل

في هذه المرحلة، يقارن العميل بين الخيارات بناءً على:

  • السعر
  • السمعة
  • المزايا والعيوب
  • التجارب السابقة

وهنا تتدخل قوة المحتوى، التقييمات، ومصداقية العلامة التجارية.

4. اتخاذ القرار

اللحظة الفاصلة.

لكنها ليست لحظة منطق بحت، بل مزيج من العاطفة والتجربة والثقة.

في دراسة ميدانية منشورة فيSience Daily عام 2012، وجد الباحثان أماندا باور وجيمس ماكسهام أن تقديم سياسات إرجاع مجانية للعملاء أدى إلى زيادة ملحوظة في إنفاقهم خلال فترة تمتد إلى سنتين، تتراوح بين 58% و357%.

كما أظهر تحليل من جامعة تكساس عام 2016 أن سياسات الإرجاع المرنة من الناحيتين المالية والإجرائية تعزز من احتمالات الشراء، رغم أنها قد تزيد مشروطًا بنسب أقل من الإرجاع مقارنة بالشراء .

5. سلوك ما بعد الشراء

هل أحب المنتج؟

هل سأشتري مرة أخرى؟

هل سأوصي به لأصدقائي؟

هنا يتحدد ما إذا كانت علامتك التجارية ستعيش في ذهن العميل أم ستكون تجربة عابرة فقط.

رابعًا: العوامل المؤثرة في السلوك الشرائي

العوامل النفسية

  • الإدراك: كيف يرى العميل المنتج؟
  • الدوافع: ماذا يريد أن يحقق؟
  • التعلُّم: ما التجارب السابقة التي أثرت على قراره؟

العوامل الاجتماعية

  • رأي الأصدقاء والعائلة
  • التوصيات عبر وسائل التواصل
  • الانتماء إلى مجموعة (كشراء منتج لأنه موضة أو متداول في مجتمع معين)

العوامل الشخصية

  • العمر
  • الدخل
  • الحالة الاجتماعية
  • نمط الحياة

العوامل الثقافية

تأثير الخلفية الثقافية والقيم على القرار.

على سبيل المثال: منتجات العناية بالبشرة في السوق السعودي يجب أن تراعي معايير الحشمة والخصوصية، مما ينعكس حتى على طريقة تغليف المنتج وتصميمه.

خامسًا: كيف يمكن للأنشطة التجارية استثمار هذه المعرفة؟

إن فهم هذه الديناميكيات يمنح أصحاب الأنشطة ميزة تنافسية ضخمة.

فعندما تعرف كيف يُفكّر العميل، يُصبح بإمكانك أن تسبق خطوته التالية، وتقدم له ما يحتاجه حتى قبل أن يطلبه.

بعض الممارسات التطبيقية:

  • استخدم أدوات التحليل السلوكي: مثل Google Analytics، Hotjar، وبيانات الـCRM لفهم سلوك زوّارك.
  • اختبر رسائل إعلانية مختلفة: لتعرف ما الذي يحفز الجمهور على التفاعل أو الشراء.
  • عزّز الثقة: عبر شهادات العملاء، سياسة الاسترجاع، والضمانات.
  • بسّط رحلة الشراء: لا تُرهق العميل بخطوات معقدة أو صفحات لا لزوم لها.

الخلاصة: القرار الشرائي ليس صدفة

العميل لا يشتري لمجرد أن منتجك جيد، بل لأنه شعر أن هذا المنتج سيُحدث فرقًا في حياته.

وكلما تعمّقت في فهم دوافعه ومساره، أصبحت قادرًا على صناعة تجربة شرائية تُشبهه… وتبقى معه.

اترك تعليقك