هناك وهم شائع يختزل التسويق في “المبيعات الفورية”. يُتوقع من كل إعلان، كل منشور، كل ريال يُنفق أن يعود مباشرة بمشتريات ملموسة. هذا التوقع، وإن كان مفهومًا من وجهة نظر صاحب المشروع، إلا أنه لا يعكس الواقع التسويقي الفعلي. الحقيقة أن بعض الحملات التسويقية لا تهدف – ولا يجب أن تهدف – إلى البيع بشكل مباشر.

ولعلّ السؤال المنطقي هنا: إذا لم تكن المبيعات، فما الهدف إذن؟

لأن المبيعات نتيجة.. لا بداية

التسويق ليس صنبورًا تفتحه فيتدفق المال. هو عملية مركبة تبدأ من بناء المعرفة بالعلامة، مرورًا بكسب الثقة، ثم إثارة الاهتمام، فالتفاعل، وانتهاءً بالشراء. أي قفز على هذه المراحل، بدافع استعجال النتائج، غالبًا ما يؤدي إلى خيبة أمل.

خذ على سبيل المثال “القمع التسويقي” أو ما يُعرف بـ Marketing Funnel، والذي يبدأ بالوعي (Awareness) ثم الاعتبار (Consideration) ثم القرار (Decision). معظم الحملات الناجحة تمر بهذه الطبقات تدريجيًا. تجاهل إحدى هذه الطبقات قد يعني أنك تتحدث إلى جمهور لم يسمع بك أصلًا، وتتوقع منه أن يشتري فورًا.

متى لا تكون المبيعات هدفك المباشر؟

  1. عند دخول سوق جديد أو إطلاق علامة تجارية حديثة
    لا أحد يشتري من مجهول. تحتاج أولًا إلى بناء حضور ذهني لدى الجمهور. شركات مثل “كوكاكولا” و”أبل” تنفق ملايين على حملات لا تبيع منتجًا، بل تبيع الشعور والمعنى والارتباط العاطفي.
  2. عند التمهيد لمنتج غير مألوف أو معقد
    لو كنت تطلق منتجًا مبتكرًا، كأداة SaaS لم تُعرف في السوق بعد، فحملاتك الأولى ينبغي أن تشرح وتعلّم وتكسر الحواجز الذهنية، لا أن تبيع فورًا.
  3. عند الحاجة إلى بناء ثقة طويلة الأمد
    في بعض الصناعات، مثل الاستشارات المالية أو المنتجات مرتفعة الثمن، لن يشتري العميل إلا بعد سلسلة من التفاعلات. هنا تأتي أهمية حملات بناء السمعة والمصداقية.
  4. عندما يكون هدفك جمع البيانات لا تحقيق أرباح مباشرة
    أحيانًا تطلق حملة لجمع إيميلات أو استطلاع رأي أو اختبار جمهور. هدفها معلومات تساعدك لاحقًا في التوجيه الصحيح للحملات البيعية.

لكن ماذا عن العائد على الاستثمار (ROI)؟

سؤال وجيه، ويُطرح كثيرًا من أصحاب المشاريع، وبحق. الإنفاق دون عائد مباشر يبدو غير عقلاني. لكن هنا لا بد أن نفرق بين العائد المباشر (Direct ROI) والعائد غير المباشر أو المؤجل (Delayed ROI).

الحملات التي تبني الوعي، أو تحفز التفاعل، أو تعزز الولاء، قد لا تظهر في لوحة المبيعات اليوم، لكنها تضع اللبنات الأساسية التي تؤدي للبيع غدًا.

حسب تقرير صادر عن شركة Nielsen، فإن الأشخاص الذين لديهم وعي فوري بالعلامة التجارية (Top-of-Mind Awareness) يولّدون حوالي 60٪ من نوايا الشراء عند مقارنة منتجات متقاربة، رغم أنهم لا يشكّلون سوى ربع الجمهور تقريبًا. هذا يعني أن الوعي المسبق بالعلامة يؤثر بقوة في قرار الشراء، حتى قبل أن يتفاعل العميل مع عروض البيع.

مثال للتقريب: الفرق بين حملتين لنفس المنتج

فلنفترض أنك تبيع خزائن مطبخ فاخرة.

أطلقت حملة مباشرة: “اطلب الآن خصم 15%”. جاءت طلبات معدودة.

ثم أطلقت حملة ترويجية قبلها بأسبوعين تشرح كيف تُصنع الخزائن، وتُظهر الفرق بين المواد، وتعرض آراء العملاء، وتعرّف الجمهور عليك.

الحملة الثانية، رغم أنها لم تعرض خصومات أو تطلب البيع، إلا أنها مهّدت الأرض، وجعلت الجمهور يرى القيمة قبل السعر.

في المثال أعلاه، الحملة الأولى تبيع مباشرة، بينما الثانية تزرع الثقة. والأذكى أن تجمع بين النوعين، وفق ترتيب زمني واستراتيجي.

ما يجب أن تسأله قبل إطلاق أي حملة:

  • هل يعرفني جمهوري أصلًا؟
  • هل لدي ما يكفي من الثقة في السوق؟
  • هل مشكلتي في ضعف الوعي أم ضعف التحويل؟
  • هل المحتوى الحالي يعكس ما أقدمه فعلًا؟
  • ما الذي أحتاجه الآن: لفت الانتباه أم حصد النتائج؟

الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد طبيعة حملتك القادمة، وستخبرك بصدق إن كانت المبيعات هي هدفها المناسب حاليًا أم لا.

الخلاصة

ليس في كل مرة تضغط فيها على زر “نشر” ينبغي أن تتوقع رنين صندوق الكاشير. بعض الحملات تزرع، وبعضها تحصد. وأذكى المشاريع هي التي تعرف متى تفعل كل منهما.

اترك أول تعليق