في البداية، يبدو كل شيء واعدًا.
تتلقى توصية حماسية من صديق عن مسوّق إلكتروني “فاهم شغله”. أو ربما تُعجبك منشوراته على تويتر (رغم أنف إيلون ماسك)، فتشعر أنه “خبير” يعرف جيدًا كيف يتحدث بلغة السوق.
أو يصل إليك ملفه التعريفي الأنيق (أو السيرة الذاتية)، فتعتقد أنك وجدت أخيرًا الشخص الذي سينقل نشاطك إلى مرحلة جديدة.
ثم تبدأ الرحلة…
تتفقان على الأهداف، وتطلقان أول حملة، وتنتظر النتائج.
لكن ما يظهر على لوحة التحكّم ليس ما وُعدت به. النتائج هزيلة، أو غير مفهومة، أو حتى غير منطقية. تبدأ الشكوك:
- هل أخطأت في الاختيار؟
- هل المبيعات ما زالت ضعيفة بسبب خلل في الاستهداف؟
- هل الحملة سيئة التنفيذ؟
تقرر أن تعطيه فرصة إضافية. ثم تنفد الصبر.
فتبحث عن بديل… ثم آخر… ثم ثالث.
وتبدأ في ترديد جملة سمعناها كثيرًا:
“شكلي هشتغل من غير مسوّق أحسن!”
لكن قبل أن تُلقي اللوم كاملًا على المسوّقين، توقف للحظة.
المشكلة ليست تجربة واحدة… بل تكرار التجربة!
أي شخص يمكن أن يمر بتجربة غير ناجحة مع مسوّق واحد. لكن حين تتكرر التجربة ثلاث أو أربع مرات، فالمشكلة لم تعُد في المسوّق فقط.
هنا يجب أن تُطرح الأسئلة الصعبة:
- هل كل المسوّقين في السوق غير أكفاء فعلًا؟
- أم أن المشروع يفتقر إلى الحد الأدنى من الجاهزية التسويقية؟
- هل ما تطلبه قابل للتطبيق فعليًا في السوق؟
- أم أنك تحمل تصوّرًا خاطئًا لما يمكن أن يحققه التسويق أصلًا؟
وهنا يبدأ التحليل الحقيقي.
أولًا: هل المشكلة فعلًا في المسوّق؟
نعم، بعض المسوّقين يبالغون في الوعود. بعضهم لا يُتقن أدواته، أو يتعامل مع كل الأنشطة كأنها متشابهة.
لكن هل المشكلة فعلًا دائمًا فيهم؟
وفقًا لاستبيان أجرته منصة Mayple، فإن 60% من الشركات لم تكن راضية عن تجربتها مع مزوّد التسويق الخارجي، لكن المثير أن 37% من هذه الشركات ذكرت أن السبب الأساسي هو أن المسوّق وعد بأكثر مما يمكن تحقيقه فعليًا، وليس بالضرورة أنه غير كفء.
بل الأهم من ذلك، تشير البيانات إلى أن النجاح التسويقي كان أعلى بمرتين ونصف في الشركات التي جمعت بين خطة واضحة وفريق داخلي وخارجي متكامل، ما يعني أن غياب المنهجية غالبًا هو العائق، لا المسوّق وحده.
هذه النتيجة تكشف شيئًا مهمًا:
قد يكون المسوّق جيدًا… لكن الظروف أقوى منه.
ثانيًا: ماذا لو كان المشروع نفسه غير مهيأ للتسويق؟
التسويق ليس عصا سحرية. لن يصنع مبيعات إن لم يكن هناك منتج يحتاجه السوق أصلًا.
لن ينقذ تجربة مستخدم ضعيفة، أو خدمة عملاء متعثّرة، أو هوية مشوشة.
بل على العكس، قد يُسرّع كشف العيوب، لأنه ببساطة يجلب لك الزوار أسرع مما تتوقع.
فكر في متجر إلكتروني بتصميم سيئ وتجربة شراء متعبة. حتى لو أدار المسوّق حملة احترافية وجلب آلاف الزيارات، فإن معدل التحويل سيظل منخفضًا. هنا المشكلة ليست في الإعلان، بل في نقطة التماس بين العميل والمنتج.
والسؤال الحقيقي:
هل بنيت بيئة تسمح للمسوّق أن ينجح؟
ثالثًا: هل وضعت التوقعات في إطار واقعي؟
أحيانًا، المشكلة لا في المسوّق ولا في المشروع، بل في التوقعات غير المنطقية.
يريد البعض أن يرى زيادة 10 أضعاف في المبيعات خلال أسبوعين، مع ميزانية إعلانية بالكاد تكفي لحملة A/B Testing بسيطة!
التحليل البسيط لا يكلف شيئًا:
- كم تكلفة الاستحواذ على العميل في مجالك؟
- كم عدد العملاء المتوقعين ضمن الميزانية؟
- كم نسبة التحويل الطبيعية في السوق؟
إن لم تكن هذه الأرقام واضحة في ذهنك، فأنت لا تبحث عن مسوّق… بل عن معجزة.
رابعًا: هل هناك خطة؟ أم فقط حملات عشوائية؟
المسوّق لا يُنتج قيمة من فراغ.
يحتاج إلى بيانات، وسيناريوهات، وأهداف واضحة، ورسائل تسويقية مبنية على فهم للسوق.
وحين تكون العلاقة معه قائمة فقط على:
“جربنا الحملة دي ومش نافعة… جرب حاجة تانية بسرعة”،
فأنت لا تعمل تسويقًا، بل تطلق نارًا في الظلام.
كيف تعرف إن كانت المشكلة في المسوّق أو في مشروعك؟
إليك قاعدة بسيطة، لكن فعّالة:
- إذا كان كل مسوّق جديد يعطيك نفس التحليل (أو يطلب نفس الأمور: بيانات، عروض، مراجعة التجربة…)، ثم يفشل، فغالبًا المشكلة عندك.
- إذا اختلف المسوّقون تمامًا في طروحاتهم وتحليلاتهم، ولا أحد منهم يطلب بيانات واضحة أو يضع خطة منطقية، فغالبًا المشكلة في طريقة اختيارك للمسوّقين.
- وإذا كان المسوّق يسألك الأسئلة الصحيحة، ويقترح منهجية، ويعطيك مؤشرات متابعة منطقية، لكن لا شيء يتحسن رغم تطبيق ما يقترحه… فربما المشروع نفسه بحاجة إلى إعادة تقييم.
خلاصة القول
أن تجرّب العمل مع مسوّق ثم تُحبط، أمر مفهوم.
لكن أن تكرر نفس النمط مع 3 أو 4 دون مراجعة جذرية، فتلك إشارة حمراء.
لا تبحث عن “مسوّق خارق”، بل اسأل نفسك:
- هل فهمت دور المسوّق فعلًا؟
- هل وفرت له الأدوات والمساحة؟
- هل وضعت توقعات واقعية؟
- وهل بنيت مشروعًا يمكن تسويقه أصلًا؟
لأنك لو لم تفعل، فمهما غيّرت المسوّقين… النتيجة ستبقى هي نفسها.