حين تتعاقد مع مسوّق إلكتروني، فإنك في العادة لا تشتري خدمة فحسب، بل تراهن على شريك مهني يملك أدوات مختلفة عنك، لكنه يعمل من أجل نفس الهدف: نمو المشروع.

لكن بين الرهان والثقة الكاملة، وبين القلق والرقابة الزائدة، مساحة رمادية يقع فيها كثير من أصحاب المشاريع.

يريدون نتائج ملموسة، لكنهم لا يعرفون كيف يتابعون الأداء دون أن يقيّدوا عمل المسوّق أو يُفسدوا العلاقة.

هذا المقال يجيب عن السؤال المحوري: كيف تتابع أداء المسوّق بذكاء دون أن تخنقه؟

نضع فيه إطارًا عمليًا، قائمًا على ما يُحدث فرقًا فعليًا في نتائج التسويق، لا على الظنون أو التفاصيل غير المهمة.

أولًا: افصل بين ما يخص العملية وما يخص النتائج

أحد أكثر الأخطاء شيوعًا هو متابعة المسوّق بناءً على “ما يفعله يوميًا”، لا على ما يحققه فعليًا للمشروع.

فترى بعض أصحاب المشاريع يطلبون تقارير مفرطة في التفاصيل:

كم منشورًا نُشر؟ متى؟ كم مرة رُدّ على التعليقات؟ هل استخدمنا هذه الكلمة؟ كم جلسة Zoom تمّت؟

لكن السؤال الحقيقي: هل هذه التفاصيل تقود إلى نتائج؟

في التسويق، ليست كل “نشاطات” المسوّق متساوية الأهمية. كثير من الأعمال اليومية ضروري، لكنه ليس مقياسًا للنجاح.

مثال تقريبي: إذا دفعت لمسوّق 10,000 ريال لحملة، فمن الأفضل أن تسأل عن عدد العملاء المحتملين الذين أتوا من الحملة، لا عن عدد القصص المنشورة في إنستغرام.

تابع النتائج، لا الجداول.

ثانيًا: اتفق مسبقًا على مؤشرات الأداء (KPIs)

قبل أن تبدأ المتابعة، لا بد أن تتفق مع المسوّق على ما يعنيه “النجاح”.

هل النجاح يعني زيادة الزوار؟ أم ارتفاع التفاعل؟ أم الحصول على عملاء محتملين؟ أم ارتفاع المبيعات؟

كل نوع من الحملات له مؤشرات أداء مناسبة، ولا يصح أن تحاسب المسوّق بمؤشرات لا علاقة لها بما طُلب منه.

مثال:

إذا كان هدف الحملة هو التوعية بالعلامة التجارية، فعدد الزيارات والانطباعات (Impressions) أهم من عدد الطلبات.

إذا كانت الحملة لجلب عملاء محتملين، فعدد النماذج المكتملة أو المكالمات الواردة هو المؤشر الأهم.

الخطوة العملية: اطلب من المسوّق أن يقدّم لك خطة فيها KPIs واضحة، وناقشها معه قبل الانطلاق. هذه الخطوة وحدها كفيلة بتجنّب 70% من سوء الفهم لاحقًا.

ثالثًا: اجتنب التقارير المُنمقة والمُضللة

بعض المسوّقين يقدّمون تقارير مليئة بالألوان، الجداول، والرسومات… لكنها لا تقول شيئًا مهمًا.

يُفترض أن التقرير يجيب عن سؤال واحد: هل ما فعلناه يقترب بنا من الهدف؟

لا تنبهر بالشكل. ما يهم هو:

  • هل ارتفعت المبيعات أو الطلبات؟
  • ما التكلفة لكل نتيجة (Cost per result)؟
  • هل الحملة تؤتي ثمارها أم بحاجة لتعديل؟

احذر:

إذا طلبت تقارير كثيرة، ستأخذ من وقت المسوّق على حساب عمله الفعلي.

التقارير ضرورية، نعم، لكنها يجب أن تكون ذكية ومباشرة.

رابعًا: امنح المسوّق فسحة للتجريب

التسويق الناجح لا يُبنى على محاولة واحدة فقط.

المنصات الرقمية تتغير بسرعة، والجمهور لا يتفاعل بنفس الطريقة كل مرة.

لذا لا تستعجل الحكم.

مثال للتقريب: في حملة TikTok لمعرض مطابخ، قد لا تنجح أول 3 فيديوهات في جذب الزبائن. لكن الفيديو الرابع وحده قد يجلب 70% من التفاعل المتوقع.

أعطِ مساحة للتجريب، وقيّم الأداء على دورة كاملة وليس يومًا بيوم.

إذا لم يكن هناك تحسّن واضح بعد فترة معقولة (مثلًا 3–4 أسابيع لحملة ممولة)، حينها يُصبح التقييم أكثر موضوعية.

خامسًا: لا تتحوّل إلى “مشرف” على المسوّق

المسوّق الجيد لا يحب أن يشعر بأنه مراقَب كل لحظة.

حين تتدخل في كل تفصيلة: متى تنشر؟ ماذا كتبت؟ لماذا صمّمت بهذا الشكل؟

فأنت تنتقل من خانة “صاحب مشروع” إلى خانة “المشرف التنفيذي”، وهذا ليس دورك.

الثقة لا تعني الغياب، لكنها أيضًا لا تعني الحضور الثقيل.

اترك للمسوّق مساحة للحركة ضمن الأهداف المتفق عليها، وركّز على النتائج.

سادسًا: راجع الأداء دوريًا دون مباغتة

حدّد وقتًا واضحًا لمراجعة الأداء.

كل أسبوعين مثلًا، أو كل شهر، تجتمع مع المسوّق لتستعرض:

  • ما الذي جرى؟
  • ماذا نجح؟
  • ماذا تعلّمنا؟
  • ما الخطوة القادمة؟

هذا أفضل من الملاحظات المتفرقة أو الرسائل المفاجئة مثل:

“ليش التفاعل نازل اليوم؟”

“وش صار على الحملة؟ ما شفت شي للحين”

المتابعة المنظمة تجعل العلاقة محترفة، وتمنح الطرفين راحة وثقة.

خلاصة القول

لإدارة العلاقة مع المسوّق دون أن تخنقه، تذكّر دائمًا:

  • اتفق مسبقًا على الأهداف والمؤشرات
  • راقب النتائج لا الأنشطة اليومية
  • لا تفرط في طلب التقارير
  • امنح مساحة للتجريب
  • قيّم الأداء على فترات منتظمة
  • تجنّب التدخل في التفاصيل ما لم يكن هناك خلل حقيقي

بهذه الطريقة، تبني علاقة مبنية على الاحترام المهني، وتستثمر المال بطريقة ذكية دون أن تقتل روح العمل لدى المسوّق.

اترك تعليقك