هناك عبارة تتكرر كثيرًا عند الحديث عن الحملات التسويقية: “الوعي لا يحقق مبيعات”. ورغم انتشارها، إلا أن هذه العبارة خاطئة جذريًا. لا لأن الوعي وحده يُغني عن البيع، بل لأنه اللبنة الأولى في بناء مسار العميل الشرائي، والقاعدة التي تستند إليها بقية الأنشطة التسويقية.

الوعي هو البداية، لا النهاية

لو ألقينا نظرة على العلامات التجارية الكبرى في العالم مثل كوكاكولا، نايكي، أو آبل، سنجد أن المبيعات لم تأتِ لأن المنتج أرخص أو لأنه الأفضل فقط، بل لأن هذه العلامات حرصت لسنوات على زرع أسمائها في أذهان العملاء. هذا الوعي المسبق ساعدهم على اختصار الطريق وقت اتخاذ القرار الشرائي، لأن العميل ببساطة يعرفهم مسبقًا، ويثق بهم.

وفقًا لتقرير من Nielsen Digital Brand Effect، فإن عدة مرات من التعرض للإعلانات (Exposure) — عادةً من ثلاث إلى تسع مرات — تُعد ضرورية لرفع الوعي بالعلامة التجارية، وتأثيرها على نية الشراء يصبح أكبر مع استمرار التكرار. حيث وجد التقرير أن التعرض بين 5 و7 مرات يظهر تأثيرًا ملحوظًا نحو قرار الشراء مقارنة بتعرض أقل من ذلك إذًا، الوعي لا يؤدي فقط إلى البيع، بل هو ضروري لذلك.

الوصول (Reach)… هل هو مجرد أرقام؟

خرافة أخرى تقول إن “الوصول مجرد رقم لا يُفيد”، وهذه مغالطة شائعة.

صحيح أن الوصول وحده لا يعني بالضرورة تفاعلًا أو مبيعات، لكنه النافذة التي يُطل منها الجمهور على رسالتك. عندما يُنفّذ الوصول بطريقة مدروسة — باستخدام أدوات مثل المحتوى التفاعلي، التسويق عبر المؤثرين، أو برامج الإحالة — فإن هذا الرقم يتحول من مجرد “وصول” إلى تفاعل، ثم إلى ارتباط، ثم إلى مبيعات.

مثال واقعي:

في حملة توعية نفذتها سلسلة مطاعم “شاورمر” في السوق السعودي، تم الاعتماد على المؤثرين والمحتوى الترفيهي عبر تيك توك لبناء وعي فعّال حول العلامة. النتيجة؟ وصلت الحملة إلى 28 مليون مستخدم، وحققت ارتفاعًا في مبيعات التطبيق بنسبة 27.5%، مع عائد على الإنفاق الإعلاني تجاوز 17 ضعفًا، وفقًا لبيانات رسمية من TikTok for Business.

الوعي لا يؤثر على قرار الشراء المباشر؟

قد لا يُحرّك الوعي العميل فورًا نحو الشراء، لكنه يزرع الثقة والاستعداد النفسي. وعندما يأتي وقت اتخاذ القرار، فإن العلامة التي يثق بها العميل ستكون حاضرة في ذهنه.

دراسة منشورة في Think with Google وجدت أن الحملات التي تجمع بين الوعي والنية الشرائية عبر استخدام إشارات مثل الاهتمامات وسلوك التصفح، تُحقق زيادة بنسبة 40% في نية الشراءمقارنة بالإعلانات التي تعتمد فقط على المعايير الديموغرافية.

التوعية ليست ترفًا… بل استثمار

إن القول بأن حملات الوعي “ترف لا تحتاجه إلا الشركات الكبرى” غير دقيق. بل إن الشركات الناشئة، أو تلك التي تسعى لاختراق سوق تنافسية، أحوج ما تكون لبناء الوعي.

ما تحتاجه فقط هو أن تُنفّذ الحملة باحتراف، من خلال:

  • تحديد الجمهور المستهدف بدقة.
  • بناء رسائل تسويقية واضحة ومقنعة.
  • اختيار قنوات النشر الأنسب للجمهور.
  • قياس النتائج من خلال مؤشرات مثل نمو الجمهور، وزيادة البحث عن العلامة، وارتفاع التفاعل.

عندها فقط، سيتحوّل الوعي من “مفهوم ضبابي” إلى أصل استراتيجي يرفع من قيمة العلامة، ويُمهّد لمبيعات مستدامة.

خلاصة القول:

لا تقع في فخ التفكير القصير الأجل. حملات الوعي ليست عبئًا على ميزانيتك، بل هي استثمار بعيد المدى في بناء علاقة متينة مع جمهورك، علاقة تبدأ بالثقة وتنتهي بولاء مستمر.

اترك أول تعليق