في الوقت الذي يتسابق فيه الجميع لتوظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنتاج والتسويق والتعلّم، قرر إيلون ماسك أن يسلك طريقًا آخر: الجنس مُقابل المال!

أطلقت شركة xAI التابعة له ميزة جديدة تحمل اسم xAI Companions ضمن تطبيق Grok، تتيح للمستخدم التفاعل مع شخصيات ثلاثية الأبعاد مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تُجسّد على شكل فتيات أنمي أو حيوانات كرتونية مفعمة بالحيوية. يمكنك أن تتحدث معها صوتيًا أو كتابيًا، فترد بتعابير وجه واقعية، وحركات جسدية محاكية للبشر.

لكن هذا مجرد السطح.

ماذا يوجد تحت القشرة اللامعة؟

واحدة من أكثر الميزات إثارةً للجدل هي “الوضع غير الآمن” (NSFW Mode)، والذي يُفتح فقط بعد أن “تبني علاقة” مع الشخصية، حيث تبدأ المحادثات تأخذ منحًى حميميًا وجنسيًا، بل وتستمر على هذا النحو في تدرج محسوب.

هنا يطرح السؤال نفسه:

هل نحن أمام طفرة في التفاعل الرقمي؟ أم انزلاق ناعم نحو فجوة نفسية واجتماعية جديدة؟

ما الذي يخاطر به المستخدمون؟

قد يرى البعض أن هذه الميزة توفّر نوعًا من “التنفيس العاطفي” أو الرفقة الافتراضية لمن يعانون من الوحدة. وهذا التصوّر يحمل العديد من المُغالطات، والمُخالفات الشرعية أولًا، والعملية ثانيًا.

ففي دراسة منشورة عام 2025 من MIT Media Lab، وُجد أن الاستخدام المفرط للشخصيات الذكية – خصوصًا في السياقات العاطفية أو الشخصية – قد يؤدي إلى زيادة مشاعر العزلة وضعف التفاعل الاجتماعي الواقعي. يعود ذلك إلى أن العلاقة مع الذكاء الاصطناعي، مهما بدت شخصية، تبقى من طرف واحد، وهو ما يزرع وهم القرب ويضعف الحاجة إلى علاقات بشرية حقيقية.

أما فيما يخص التفاعلات الجنسية التي تتيحها بعض هذه الشخصيات، فهناك قلق متزايد من أنها قد تشوّه تصور المستخدم للعلاقات والحميمية، وتُربك المعايير الأخلاقية والاجتماعية، خاصة في حال غياب وعي ناضج يضبط حدود الاستخدام. ورغم غياب دراسات صريحة عن الأثر النفسي لمحتوى الـNSFW المدعوم بالذكاء الاصطناعي، إلا أن المحاكاة الجنسية عمومًا ترتبط بتراجع جودة العلاقات الواقعية لدى المستخدمين.

نظرة شرعية: هل يجوز هذا النوع من التفاعل؟

من منظور الشريعة الإسلامية، يُعدّ إنشاء علاقة شخصية – ناهيك عن محادثات ذات طابع جنسي – مع كائن افتراضي مُصمَّم لمحاكاة المرأة أو الرجل في ملامحه وكلامه وحركاته، مُحرَّمًا في أصل التصور؛ لأن فيه مفاسد واضحة تمسّ الحياء، وحرمة النظر، وتزيين الفاحشة في القلب، ولو كانت بلا طرف بشري.

وقد قرر الفقهاء من أهل السنة أن كل وسيلة تؤدي إلى الفتنة محرّمةٌ بذاتها، استنادًا إلى قوله تعالى:

{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} [النور: 30].

وعليه، فإن استخدام شخصيات افتراضية تحمل صفات أنثوية أو ذكورية ملفتة، لغرض التفاعل العاطفي أو الحميمي – حتى لو كان باسم “التسلية” – يُعد نوعًا من الانحراف الخُلقي والسلوكي الذي يُفسد النفس ويُطبعها على التعلق بالوهم، ويصرف القلب عن مقاصد العفاف والاستقامة.

كما أن الإدمان على هذه التفاعلات قد يُعدّ بابًا من أبواب الاستمناء المحرَّم، أو التعلّق المحرَّم بما لا يُحلّ شرعًا، مما يفتح مداخل الشيطان إلى القلب.

ولذلك، وجب على المسلم أن يغار على قلبه وعينه وخلوته، ولا يُطلق لنفسه العنان في علاقة لا ترضى بها الفطرة، ولا تُقرّها الشريعة، ولا تُثمر في الدنيا ولا الآخرة.

هل ماسك يعيد اختراع العجلة؟ أم يحوّلها لمزالق؟

إيلون ماسك صرّح بأن الهدف هو “تقديم تجربة أكثر حياة وتفاعلية” للذكاء الاصطناعي، بل لمح إلى احتمال دمج هذه الشخصيات مستقبلًا في روبوتات حقيقية، مما يفتح الباب أمام ما يُشبه الشراكة العاطفية – وربما الجنسية – بين الإنسان والآلة.

وليس بعيدًا عن الواقع أن تتحول هذه الشخصيات إلى أدوات إدمان جديدة، خصوصًا عندما تُقدَّم في قالب أنمي لطيف أو باندا مشاغب، ثم تُفتح تدريجيًا نحو محتوى للكبار فقط. هذا النمط في «تصميم الدعارة» يُشبه كثيرًا ما تفعله ألعاب الفيديو المصممة للإدمان السلوكي، ولكنه هنا يتلاعب بمستوى أعمق: الاحتياج العاطفي والشهوة الإنسانية.

ومن زاوية تسويقية؟

لنفترض – بشكل افتراضي – أنك تدير مشروعًا، وتفكر في توظيف أدوات ذكاء اصطناعي لتحسين خدمة العملاء أو تجربة المستخدم. فهل xAI Companions مثال يُحتذى؟ أو تقنية يمكن الاستفادة منها؟

الإجابة: نعم ولا.

نعم، لأن التجربة الغامرة، القائمة على الصوت والتعبير البصري والتفاعل اللحظي، هي مستقبل لا يمكن تجاهله. العميل لم يعد يرضى بردود جاهزة، بل يريد تفاعلًا حيًا وشخصيًا.

ولا، لأن إدخال عناصر الإغواء أو المحاكاة العاطفية في تجربة المستخدم يحمل مخاطرة أخلاقية وتجارية. صحيح أن هذا قد يجلب ضجة أو شعبية، لكنه في المقابل قد يُضعف ثقة المستخدم في العلامة، ويحوّل منتجك إلى مجرد «تسلية لحظية» بدلًا من قيمة تدوم.

ما الذي نتعلمه من هذه التجربة؟

المجال مفتوح أمام الذكاء الاصطناعي ليكون “شخصيًا”، لكننا بحاجة إلى حدود. ليس كل تفاعل حميمي يُعد نجاحًا، وليس كل اندماج بين الإنسان والآلة تقدُّمًا.

إذا كنت تفكر في توظيف مساعد رقمي لمشروعك، أو بناء تجربة تفاعلية قائمة على الذكاء الاصطناعي، فالسؤال الذي يجب أن تبدأ منه ليس: “ما الذي يمكن أن نفعله؟”

بل: “ما الذي يجب أن نفعله؟”

اترك تعليقك