في يوم 22 يوليو 2025، حدث ما كان ينتظره كثيرون: أعلنت شركة أبل رسميًا عن إطلاق متجرها الإلكتروني الخاص في المملكة العربية السعودية. هذه ليست مجرد خطوة تجارية عابرة، بل تطور نوعي في طريقة تعامل الشركة مع السوق السعودي، واعتراف ضمني بأهمية هذا السوق الذي طالما ظل يخدم نفسه عبر الوكلاء والموزعين.

لكن، ماذا يعني هذا الافتتاح فعلًا؟ وما الذي يتغير على الأرض بعد سنوات من الاعتماد على أطراف وسيطة، سواءً في البيع أو الدعم؟

من البيع عبر الوكلاء إلى البيع المباشر

لطالما كانت العلاقة بين المستخدم السعودي ومنتجات أبل تمر عبر طبقات متعددة: وكلاء رسميون، موزعون معتمدون، متاجر كبرى، وأحيانًا تجار تجزئة صغار. وكان هذا النموذج يضعف من تجربة المستخدم، سواء في الأسعار، أو خيارات الشراء، أو جودة الدعم الفني.

اليوم، عبر المتجر الإلكتروني الجديد، أصبح بإمكان المستهلك السعودي أن يشتري أجهزة أبل مباشرة من المصدر، وبنفس الطريقة التي يشتري بها أي مستخدم في أوروبا أو أمريكا. تشمل قائمة المنتجات المتاحة:

  • أجهزة آيفون بجميع الإصدارات
  • آيباد، وماك، وساعات أبل
  • الإكسسوارات الأصلية مثل كفرات الحماية، وقلم أبل، وأجهزة الشحن
  • إمكانية تخصيص الجهاز بخدمة النقش المجاني (engraving)
  • برامج التقسيط والدفع الميسر
  • خصومات مخصصة للطلاب والمعلمين

دعم باللغة العربية… أخيرًا

من الخطوات اللافتة في إطلاق متجر أبل الإلكتروني في السعودية تقديم تجربة كاملة باللغة العربية، تشمل واجهة المتجر وخدمة العملاء والدعم الفني. وللمرة الأولى، يتمكن المستخدم من التواصل مع فريق أبل مباشرة باللغة العربية دون الحاجة إلى مترجم أو وسيط.

هذا التوجّه ليس تفصيلًا شكليًا، بل يعكس نية توسع جاد من أبل في السوق المحلي. فقد أظهرت دراسة من شركة CSA Research أن 76% من المستهلكين يفضّلون شراء المنتجات إذا توفرت المعلومات بلغتهم الأم، وأن 56.2% منهم يعتبرون توفر اللغة أهم حتى من السعر نفسه.

وهو ما أكدته أيضًا Harvard Business Review حين أشارت إلى أن الشركات التي تخاطب العملاء بلغتهم ترفع احتمال الشراء وتبني ثقة أطول مدى.

لمحة عن المستقبل: المتجر الفعلي قادم في 2026

ما يُضفي على إطلاق متجر أبل الإلكتروني في السعودية بعدًا استراتيجيًا هو إعلان الشركة عن خططها لافتتاح أول متجر فعلي لها في المملكة عام 2026، وتحديدًا في منطقة الدرعية، أحد المواقع المصنّفة ضمن قائمة التراث العالمي من اليونسكو، والمعروفة بأهميتها الثقافية والتاريخية في الرياض.

أبل لم تكتفِ بالإشارة إلى المتجر كفرع جديد، بل وصفته بأنه سيكون “متجرًا أيقونيًا”، في دلالة واضحة على عنايتها بمكانته وموقعه. اختيار الدرعية ليس صدفة؛ فالشركة لطالما ارتبطت في توسعاتها باختيار مواقع رمزية، كما فعلت سابقًا بافتتاح متجرها الشهير في الجادة الخامسة بنيويورك، وفي شارع الأوبرا في باريس.

وبهذا، تُظهر أبل مرة أخرى أنها لا تبيع منتجات فحسب، بل تصمم تجارب تربطها بالهوية المحلية والثقافية للمكان الذي

لماذا الآن؟

السؤال البديهي: لماذا تأخرت أبل حتى 2025 لإطلاق متجرها الإلكتروني في السعودية، رغم أن السوق المحلي يُعد من الأعلى عالميًا في معدلات استخدام الهواتف الذكية؟

قد يكون السبب في جزء منه هو تعقيدات السوق المحلي، واعتماده طويلًا على نماذج التوزيع التقليدية. وربما كانت أبل تراقب نضج السوق واكتمال البنية التحتية اللازمة لتقديم تجربة مماثلة لما تقدّمه في أسواقها الكبرى.

لكن من الواضح أن هناك إشارات قوية دفعت أبل لاتخاذ هذه الخطوة الآن، من أبرزها:

  • نمو التجارة الإلكترونية بشكل متسارع في المملكة؛ إذ تشير تقارير مثل MarkNtel Advisors وAGBi إلى أن حجم المبيعات عبر الإنترنت تضاعف تقريبًا خلال خمس سنوات، بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 15%.
  • تطور البنية التحتية اللوجستية، سواء من حيث خدمات الدفع الرقمية مثل “مدى” و”STC Pay”، أو من حيث أداء شركات التوصيل المحلية التي باتت تلبّي معايير الشركات العالمية في التسليم والتتبع وخدمة ما بعد البيع.
  • ارتفاع وعي المستهلك السعودي، خاصة الشباب، الذين باتوا يفضّلون الشراء المباشر من المتاجر الرسمية بدل الاعتماد على الموزعين والوكلاء، لما في ذلك من شفافية في الأسعار وضمان جودة الدعم.

ما الذي يعنيه هذا لأصحاب المتاجر والشركات؟

ببساطة: اللعبة تغيّرت.

إذا كانت أبل – بكل ما تملكه من قوة علامة تجارية – قررت الدخول إلى السوق المحلي بمتجر إلكتروني رسمي، فهذا مؤشر على أن السوق أصبح أكثر نضجًا. وهذا يستدعي من كل علامة أو نشاط تجاري مراجعة طريقة عمله، خصوصًا في مجالات:

  • التسعير: لم يعد بالإمكان المبالغة في التسعير تحت غطاء “الاستيراد” أو “الضمان”.
  • تجربة العميل: دعم باللغة المحلية، خيارات تقسيط، تخصيص المنتجات… كلها لم تعد رفاهية.
  • القرب من العميل: وجود أبل محليًا يعني أن المنافسة على الخدمة وليست على المنتج فقط.

اترك أول تعليق