يُخطئ بعض أصحاب المتاجر الجُدد حين يتوقّعون أن يشتري العميل من اللحظة الأولى، بعد أول إعلان، أو من أول زيارة.

هذا التوقع لا يعكس سلوك الشراء الحقيقي، بل يعكس قلة فهم لما يُعرف بـ “دورة الشراء” (Buying Cycle)، وهي واحدة من المفاهيم الأساسية في علم التسويق السلوكي.

فلنبدأ من الجذور.

ما هي دورة الشراء؟

دورة الشراء هي الفترة الزمنية التي يمرّ بها العميل من لحظة تعرّفه على المنتج أو الخدمة، وحتى اتخاذه قرار الشراء الفعلي.

خلال هذه الفترة، يتقلّب العميل بين مشاعر الفضول، والشك، والبحث، والمقارنة، والثقة، والتردّد، وأخيرًا: الشراء.

هذه الدورة لا تحدث في خط مستقيم، بل في مراحل متداخلة ومتفاوتة بحسب:

  • طبيعة المنتج
  • سعره
  • عدد الخيارات المتاحة في السوق
  • مدى أهمية القرار بالنسبة للمشتري

لماذا لا تحدث عمليات الشراء فورًا؟

لأن العميل لا يشتري عند رؤية المنتج، بل عند الشعور بالاطمئنان تجاهه.

وفقًا لدراسة نشرتها Harvard Business Review، فإن اتخاذ القرار الشرائي يعتمد بنسبة كبيرة على ما يسمّى “الإدراك القيمي المدعوم بالثقة”.

أي أن العميل لا يقتنع بالشراء فقط من خلال مواصفات المنتج، بل من خلال الثقة التي يبنيها مع العلامة التجارية أثناء الرحلة.

بالتالي، وجود زيارات كثيرة لمتجرك لا يعني بالضرورة أن الوقت قد حان للشراء.

سلوك العميل في فترة دورة الشراء

دعنا نأخذ مثالًا واقعيًا:

أنت صاحب متجر أثاث. أطلقت حملة ممولة على منصات التواصل، وبدأ الزوّار يتوافدون.

لكن…

هل تتوقّع أن يشتري أحدهم كنبة بمبلغ ٣٠٠٠ ريال في نفس اليوم، فقط لأنه رأى إعلانك اللطيف؟

المنطقي أن يتريّث.

فالمشتري سيقوم على الأرجح بـ:

  • حفظ رابط المنتج
  • زيارة متجرك مرة أو مرتين
  • مقارنة الأسعار مع المنافسين
  • قراءة تقييمات العملاء (إن وُجدت)
  • تصفح حسابك في إنستغرام أو تيك توك
  • طرح أسئلة في ذهنه: من هذا المتجر؟ هل لديهم سياسة استرجاع؟ هل الصور مطابقة للحقيقة؟

وكل هذه السلوكيات جزء من دورة الشراء.

متى تكون دورة الشراء قصيرة؟ ومتى تطول؟

قصيرة:

في المنتجات الاستهلاكية اليومية، منخفضة السعر، أو التي لا تتطلّب تفكيرًا عميقًا.

مثل: جراب جوال، كوب قهوة، دفتر ملاحظات.

طويلة:

في المنتجات التي:

  • سعرها مرتفع نسبيًا
  • حجمها كبير (مثل الأثاث)
  • يصعب استبدالها أو إرجاعها
  • تُشترى على فترات متباعدة

في هذه الحالة، قد تمتد دورة الشراء لأيام، أو حتى أسابيع.

تشير دراسات متعددة إلى أن العميل الرقمي لا يُقدم على الشراء مباشرة بعد أول نقطة تماس.

وفي الصناعات التي تتطلّب قرارات مدروسة مثل الأثاث، قد يمرّ العميل عبر عشرات نقاط التماس الرقمية—من الإعلانات، إلى مراجعات العملاء، إلى زيارة الموقع، والتفاعل على الشبكات الاجتماعية—قبل أن يشعر بالثقة الكافية لإتمام الشراء.

ورغم عدم وجود رقم ثابت في هذا السياق، إلا أن بعض الأبحاث (مثل ما ورد في Think with Google) تُظهر أن المسار الرقمي في سوق الأثاث قد يتضمّن تفاعلات متعددة تؤثر بشكل مباشر على قرار الشراء، وقد يتجاوز عددها العشرين نقطة تواصل في بعض الحالات.

خطأ شائع يقع فيه كثيرون

إطلاق متجر جديد، ثم إطلاق حملة ممولة في نفس اليوم، ثم الشعور بالإحباط لأن أحدًا لم يشترِ.

هذا تسويق يُبنى على أمل عشوائي، لا على فهم سلوك السوق.

في الواقع، عدم حدوث البيع مباشرة لا يعني أن الإعلان فاشل، بل يعني أن العميل دخل دورة الشراء. والسؤال الآن:

هل تتابعه؟ هل تعيد استهدافه؟ هل ترسّخ الثقة لديه؟ أم تتركه يتسرّب لمتجر آخر لديه رحلة أوضح؟

كيف تتعامل مع دورة الشراء بذكاء؟

  1. اعرف جمهورك، واعرف زمن قرارهم: لا تتوقّع الشراء من اليوم الأول، وخصوصًا في الصناعات ذات الدورة الطويلة مثل الأثاث أو الإلكترونيات.
  2. ابنِ الثقة أولًا: من خلال محتوى يُظهر خبرتك، وتقييمات حقيقية، وتجربة مستخدم احترافية.
  3. فعّل أدوات التتبّع وإعادة الاستهداف: كي تذكّر العميل بمن تركه خلفه.
  4. سهّل المقارنة لصالحك: قدم محتوى يوضّح لماذا منتجك مختلف أو أفضل من الموجود في السوق.
  5. اجعل المتجر جاهزًا للإقناع، لا فقط للعرض: التجربة السيئة تُجهض الشراء مهما كانت الحملة ناجحة.

مثال تطبيقي: متجر أثاث في بداية طريقه

أحد أصحاب المتاجر أطلق إعلانه الأول، وجاءه ٥٠٠ زائر في يومين.

لم تحدث أي عملية شراء.

بدلًا من إحباطه، بدأ يُرسل إعلانات متابعة للأشخاص الذين زاروا الموقع، مع منشورات توضح خامات الأثاث، وتفاصيل التوصيل، وضمان الاسترجاع.

بعد أسبوع، بدأ يتلقى طلبات من نفس الزوّار الأوائل.

الفرق لم يكن في الحملة، بل في استيعاب دورة الشراء، وتصميم رحلة ذكية تخاطب العميل خلال مراحلها.

الخلاصة: لا تتعجل الحصاد

البيع ليس لحظة، بل نتيجة.

وحين تفهم أن العميل يحتاج إلى وقت، وأمان، وتجربة مُقنعة، فإنك لن تكتفي بالزائرين، بل ستحوّلهم إلى عملاء مخلصين.

دورة الشراء ليست تأخيرًا للبيع، بل الطريق الحقيقي إليه.

اترك تعليقك