تخيل نفسك في غرفة اجتماعات، يعرض عليك أحد المسوقين أرقامًا فلكية، ومنحنيات بيانية تتجه نحو السماء، ويختم عرضه بابتسامة واثقة قائلًا: “نعدك بتحقيق كل هذا وأكثر!”.

شعورٌ مألوف، أليس كذلك؟

أعلم أنك كصاحب عمل، ربما تكون قد سمعت هذه النغمة مرات عديدة، وشعرت بالمرارة حين تبخرت تلك الوعود في أرض الواقع.

لكن، دعنا نطرح السؤال بشكل مختلف: هل من المنطقي أن تمنح مسوّقًا جزءًا من مالك ووقتك وثقتك دون أن يعدك بشيء في المقابل؟

بالطبع لا.

المشكلة ليست في “الوعد” نفسه، بل في “طبيعة” هذا الوعد وأسسه.

فما الذي يجب أن نعد به العميل حقًا حين نبيع له خدمة تسويقية؟

وكيف تميّز أنت، كصاحب عمل، بين الوعد الصادق والوهم البرّاق؟

الوعد ليس “ضمانًا”… بل “توقعٌ مبني على البيانات”

لنفكك أولًا أكبر خرافة في هذا المجال: لا يوجد شيء اسمه “نتائج مضمونة” في التسويق.

من يضمن لك نتيجة بنسبة 100%، فهو إما لا يفهم طبيعة السوق، أو الأسوأ، أنه يفهمها جيدًا ولكنه لا يكترث لقول الحقيقة.

التسويق ليس آلة تضع فيها ريالًا لتخرج لك اثنين.

إنه تفاعل معقد بين علامتك التجارية، وجمهور متغير باستمرار، ومنافسين لا ينامون، وخوارزميات تتحدث لغة خاصة بها.

إذًا، إذا لم يكن الوعد ضمانًا، فما هو؟

الوعد التسويقي الصادق هو توقعٌ علمي (Forecast)، مبني على ركيزتين أساسيتين لا يمكن فصلهما.

غياب إحداهما يجعل الوعد إما مقامرة عمياء أو مجرد أمنية جميلة.

الركيزة الأولى: سُلطان البيانات السابقة

هل تقبل أن يصف لك طبيبٌ دواءً دون أن يفحصك أو يطلع على تاريخك الصحي؟

بالطبع لا.

فلماذا تقبل توقعاتٍ تسويقية لا تستند إلى بيانات؟

الوعد الصادق لا يولد من فراغ، بل يُستخرج من تحليل عميق لبيانات سابقة تساعدنا في استشراف المستقبل.

هذه البيانات قد تكون:

  • بيانات حملاتك السابقة: كم كانت تكلفة النقرة؟ ما هو معدل التحويل؟ ما هي المنصات التي حققت أفضل عائد على الاستثمار (ROI)؟
  • بيانات السوق والمنافسين: ما هو حجم الإنفاق الإعلاني في قطاعك؟ ما هي الاستراتيجيات التي يتبعها المنافسون الناجحون؟ ما هي الفجوات التي يمكنك استغلالها؟
  • بيانات سلوك جمهورك: من هم عملاؤك المثاليون؟ كيف يتفاعلون عبر الإنترنت؟ ما هي نقاط الألم التي يعانون منها والتي يمكن لمنتجك أو خدمتك حلها؟

حين يأتيك مسوّق ويقول: “أتوقع أن نصل إلى 1000 عميل محتمل في الشهر الأول بتكلفة X للعميل الواحد”، سؤالك المباشر يجب ألا يكون “هل تضمن ذلك؟”، بل: “على أي بيانات بنيت هذا التوقع؟”.

إذا كانت إجابته تحمل تحليلات وأرقامًا من حملات مشابهة أو دراسات للسوق، فأنت أمام شخص يبني وعده على أساس علمي.

أما إذا كانت إجابته غامضة ومليئة بعبارات مثل “ثق بي” أو “لدينا خبرة طويلة”، فأنت أمام راية حمراء كبيرة.

المسوّق المحترف لا يطلب منك ثقة عمياء، بل يقدم لك أسبابًا منطقية لتثق به.

الركيزة الثانية: الإيمان بأن المشيئة بيد الله

هنا نصل إلى الجزء الذي يغفله الكثيرون، وهو ما يميز الخبير الحقيقي عن المدّعي.

حتى مع وجود أدق البيانات وأفضل النماذج التوقعية، يبقى المستقبل في علم الغيب.

السوق قد يتغير، أو قد يطلق منافس حملة ضخمة غير متوقعة، أو قد يتغير مزاج المستهلكين فجأة.

الاعتراف بهذه الحقيقة ليس ضعفًا، بل هو قمة الاحترافية والصدق.

المسوّق الذي يبني توقعه على البيانات، ثم يضيف بصدق: “هذا ما تشير إليه الأرقام، وسنبذل قصارى جهدنا لتحقيقه وتجاوزه، ونسأل الله التوفيق والسداد”، هو شخص يحترمك ويحترم قوانين العمل التي لا تخضع لسيطرتنا الكاملة.

هذه الركيزة تحوّل العلاقة من علاقة “بائع ومشتري” إلى “شركاء في السعي”.

هو شريكك في بذل الأسباب، مع التسليم بأن النتائج النهائية لها عواملها الخارجة عن السيطرة.

هذا النوع من الشفافية يبني ثقة أعمق بكثير من أي ضمانات زائفة.

وماذا لو لم تكن هناك بيانات على الإطلاق؟

هذا سؤال مشروع.

ماذا لو كنت تطلق مشروعًا جديدًا بالكامل، أو تدخل سوقًا لا تملك عنه أي بيانات؟

هل يعني هذا أنه لا يمكن تقديم أي وعد؟

بالطبع لا.

لكن طبيعة الوعد هنا تتغير جذريًا.

إذا غابت البيانات السابقة بالكامل، فإن الوعد الصادق الوحيد الذي يمكن تقديمه هو وعدٌ بالجهد والمنهجية.

الوعد هنا ليس بتحقيق نتيجة رقمية معينة، بل هو التزام واضح بـ:

  1. بذل أقصى طاقة: تكريس فريق وخبرات وموارد محددة لتحقيق الهدف.
  2. الشفافية الكاملة: إطلاعك على كل خطوة، وكل تجربة، سواء نجحت أم فشلت.
  3. السرعة في التعلم والتكيف: إطلاق حملات صغيرة، وقياس النتائج بسرعة، وتحسين الاستراتيجية بناءً على البيانات التي يتم جمعها أولًا بأول.
  4. منهجية عمل واضحة: تقديم خطة عمل مفصلة للمرحلة الأولى، هدفها ليس تحقيق مبيعات خيالية، بل “فهم السوق” و “بناء أساس بيانات” يمكن الانطلاق منه لاحقًا.

الوعد في هذه الحالة هو: “لا نملك كرة بلورية لنرى المستقبل، لكننا نعدك بأن نكون أسرع وأذكى من يبحث عن الطريق الصحيح، وسنشاركك كل ما نتعلمه في هذه الرحلة.”

لا تسأل “ماذا تعدني؟” بل “على ماذا تبني وعدك؟”

في المرة القادمة التي تجلس فيها مع مسوّق أو شركة تسويق، غيّر قواعد اللعبة.

بدلًا من أن تقع في فخ جاذبية الأرقام النهائية، تعمّق في الأساس الذي بنيت عليه.

اسألهم عن البيانات التي استخدموها، وعن خطتهم للتعامل مع المتغيرات، وعن منهجيتهم في حال كانت البيانات غير متوفرة.

ابحث عن الشريك الذي يشاركك “السعي” المبني على علم ومنطق، وليس البائع الذي يبيعك “النتيجة” المبنية على وهم.

فالوعد الحقيقي ليس رقمًا يُكتب في عقد، بل هو ثقة تُبنى على الوضوح والصدق والعمل الدؤوب.

المقال سـ & جـ

ما هو الوعد التسويقي الصادق وكيف يختلف عن الضمان الزائف؟

الوعد التسويقي الصادق ليس “ضمانًا” لنتائج مؤكدة بنسبة 100%، فهذا غير ممكن في بيئة التسويق المتغيرة. بل هو “توقع علمي” (Forecast) يستند إلى تحليل دقيق للبيانات، مع الإقرار بأن هناك عوامل خارجة عن السيطرة. على النقيض، الوعد الزائف غالبًا ما يقدم ضمانات غير واقعية وأرقامًا فلكية دون أساس بياناتي قوي.

ما هي الركيزتان الأساسيتان اللتان يقوم عليهما الوعد التسويقي الصادق؟

يقوم الوعد التسويقي الصادق على ركيزتين:
1. سلطان البيانات السابقة: يجب أن يستند الوعد إلى تحليل عميق لبيانات سابقة مثل أداء الحملات السابقة، وبيانات السوق والمنافسين، وسلوك الجمهور.
2. الإيمان بأن المشيئة بيد الله: الاعتراف بأن المستقبل يحمل متغيرات غير متوقعة، وأن النتائج النهائية قد تتأثر بعوامل خارجية، مما يبني ثقة أعمق ويحول العلاقة إلى شراكة في السعي.

كيف يمكن لصاحب العمل التمييز بين المسوق الصادق وبائع الوهم؟

عند مقابلة مسوق، يجب أن تسأل: “على أي بيانات بنيت هذا التوقع؟”. إذا كانت الإجابة تتضمن تحليلات وأرقامًا، فهذا يشير إلى أساس علمي. أما إذا كانت الإجابة غامضة وتعتمد على عبارات مثل “ثق بي” دون أدلة، فهذه علامة حمراء.

هل يمكن تقديم وعد تسويقي إذا لم تتوفر بيانات سابقة؟

نعم، ولكن طبيعة الوعد تتغير. في غياب البيانات، لا يكون الوعد بتحقيق نتيجة رقمية معينة، بل هو التزام بالجهد والمنهجية. يتضمن ذلك بذل أقصى طاقة، والشفافية الكاملة، والسرعة في التعلم والتكيف، وتقديم خطة عمل واضحة تهدف إلى “فهم السوق” وبناء أساس بيانات للمستقبل.

ما أهمية البيانات السابقة (تكلفة النقرة، معدل التحويل) في بناء الوعد؟

تعد البيانات السابقة حجر الزاوية في بناء توقعات صادقة. فهي توفر رؤى حول الأداء السابق، وتحدد المنصات الأكثر فعالية، وتكشف عن تكاليف اكتساب العملاء. تحليلها يمكّن المسوق من تقدير النتائج المستقبلية بدقة، بدلاً من الاعتماد على التخمينات.

كيف يتعامل المسوق المحترف مع المتغيرات غير المتوقعة في السوق؟

المسوق المحترف يدرك أن السوق ديناميكي. لذلك، بالإضافة إلى التوقعات المبنية على البيانات، يؤكد على بذل قصارى الجهد لتحقيق الأهداف، مع التسليم بأن هناك عوامل خارجة عن السيطرة. هذا النهج يبني علاقة شراكة تقوم على الصدق والشفافية.

ما الفرق بين الوعد الذي يركز على “السعي” والذي يركز على “النتيجة”؟

الوعد الذي يركز على “السعي” هو الوعد الصادق، حيث يتشارك المسوق والعميل في جهد مبني على علم ومنطق. أما الوعد الذي يركز على “النتيجة” فهو غالبًا ما يكون زائفًا، حيث يبيع المسوق نتائج مضمونة دون أساس واقعي، مما يؤدي إلى خيبة الأمل.

ما الذي يجب أن يسأل عنه صاحب العمل عند تقييم المسوقين؟

بدلاً من السؤال “ماذا تعدني؟” يجب أن تسأل: “على ماذا تبني وعدك؟”. استفسر عن البيانات التي يستخدمها، وخطته للتعامل مع المتغيرات، ومنهجيته في حال غياب البيانات. ابحث عن الشريك الذي يشاركك “السعي” المبني على علم، وليس البائع الذي يبيع “النتيجة” المبنية على وهم.

اترك أول تعليق