عندما تسأل شركة ناشئة: “كم يجب أن تكون ميزانية التسويق لدينا؟”،

فأغلب الظن أنك ستسمع إجابة تعتمد على نسبة مئوية من الإيراداتأو ميزانية المشروع.

لكن الحقيقة أن هذا التقدير – رغم شيوعه – غير كافٍ إذا أغفلنا السؤال الأهم:

ما حجم السوق الذي تستهدفه؟

لأن حجم السوق لا يُحدّد فقط “إمكانيات النمو”، بل يُؤثر مباشرة على تكلفة الوصول وحجم الإنفاق المطلوب لكسب موطئ قدم.

أولًا: ما المقصود بـ “حجم السوق”؟

هو ببساطة: عدد العملاء المحتملين × متوسط ما ينفقه العميل الواحد على المنتج أو الخدمة سنويًا.

لكن في التسويق، لا يكفي أن نعرف حجم السوق النظري، بل نحتاج إلى تقسيمه إلى:

  • السوق الكلي (TAM): إجمالي الطلب الممكن على المنتج
  • السوق القابل للوصول إليه (SAM): من يمكنك الوصول إليهم فعلًا وفق موقعك وقدراتك
  • السوق القابل للاستحواذ (SOM): الشريحة التي تتوقع كسبها فعليًا خلال فترة زمنية محددة

ثانيًا: لماذا يؤثر حجم السوق في الميزانية؟

لأن تكلفة التسويق لا تُحسب فقط بناءً على ما لديك من ميزانية،

بل بناءً على الكمية المطلوبة من الجهد والمال للوصول لشريحة مؤثرة من السوق.

شركة ناشئة تستهدف سوقًا حجمه 10 ملايين ريال سنويًا تحتاج إنفاقًا مختلفًا جذريًا عن شركة تستهدف سوقًا قيمته 500 مليون.

ولفهم العلاقة بشكل واقعي، تخيّل هذا المثال:

مثال توضيحي:

شركة ناشئة تبيع منتجًا غذائيًا صحيًا بسعر 50 ريال، وتستهدف فئة النساء بين 25–40 سنة في مدينة واحدة.

  • عدد النساء في الفئة المستهدفة في المدينة = 200 ألف
  • 10% منهن مهتمات فعلًا بالمنتج = 20 ألف
  • الهدف الأولي: كسب 2,000 عميلة خلال السنة الأولى
  • معدل التحويل المتوقع: 2%
  • تحتاج للوصول إلى 100,000 سيدة لتكسِب 2,000 عميلة
  • إذا كان متوسط تكلفة الوصول الفعّال (CPM) = 15 ريال،

← ستحتاج ميزانية 150,000 ريال على الأقل لحملات التوعية فقط

← بخلاف المحتوى، التجربة المجانية، إدارة المنصات، والتشغيل

أي أن حجم السوق لا يخبرك فقط بـ”حجم الفرصة”، بل بـ”حجم الميزانية المطلوب لضرب الباب”.

ثالثًا: متى تُضخّم الميزانية؟ ومتى تكتفي بالقليل؟

  • كلما كبر السوق المستهدف، زادت الحاجة للميزانية. لأن الوصول إلى شريحة مؤثرة يحتاج تغطية أكبر، ومنافسة أقوى.
  • وكلما كان السوق ضيقًا أو متخصصًا، أمكنك خفض الإنفاق، بشرط وضوح الرسالة. ففي السوق المتخصص، المحتوى هو الذي يُنجز المهمة، لا الكم.

لكن احذر من التسرّع في التوسعة.

فليس منطقيًا أن تستهدف سوقًا بـ 500 مليون، وأنت لا تملك قدرة تنفيذية لخدمة أكثر من 500 عميل شهريًا.

رابعًا: ما علاقة التمويل بالميزانية التسويقية؟

الشركات الناشئة التي تنطلق برؤية توسعية لا تبني ميزانيتها التسويقية على الإيرادات الحالية فقط، بل على حجم الفرصة في السوق. ولهذا السبب نرى كثيرًا من الشركات المموّلة تنفق على التسويق ما يصل إلى 50% أو أكثر من تمويلها في المراحل الأولى.

  • شركة Uber كانت تنفق ما يزيد على 200 مليون دولار شهريًا في سنواتها الأولى على التسويق وحوافز جذب السائقين والمستخدمين.
  • أما Airbnb، فأنفقت خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2022 فقط أكثر من 200 مليون دولار على التسويق لبناء العلامة وتعزيز الوعي بها عالميًا.

لكن إذا كنت تموّل مشروعك ذاتيًا (bootstrap)، فالوضع يختلف.

هنا، الأولوية هي: ضمان بقاء المشروع حيًا، ثم النمو التدريجي المحسوب، لأن كل ريال يُنفَق يجب أن يُبرّر بعائد واضح، ولا مجال للمجازفة الزائدة.

خامسًا: كيف تُحوّل حجم السوق إلى ميزانية فعلية؟

الطريقة الأنسب: الحساب من أسفل لأعلى (Bottom-Up)

  • حدّد عدد العملاء الذين تستهدف كسبهم خلال فترة معينة
  • احسب معدل التحويل المتوقع
  • قسّم عدد العملاء المستهدفين على معدل التحويل ← عدد الوصول المطلوب
  • اضرب هذا الرقم في تكلفة الوصول أو الاكتساب (CPA أو CPM)
  • أضف تكاليف المحتوى والإدارة والأدوات
  • راجع النتيجة: هل ممكنة ضمن ميزانيتك؟ هل تستدعي تقليص الأهداف أو تعديل السوق المستهدف؟

خلاصة عملية:

  • حجم السوق لا يُحدّد فقط طموحك، بل يُؤثر على ميزانية التسويق
  • السوق الواسع يتطلب إنفاقًا أكبر للوصول إلى نسبة مؤثرة منه
  • احسب من أسفل لأعلى بناءً على عدد العملاء المستهدفين، لا النسبة من الإيرادات فقط
  • لا تبدأ بالتوسعة قبل أن تتأكد من جاهزية التشغيل
  • الشركات الناشئة التي تفهم سوقها بدقة تنفق أقل وتربح أكثر

المقال سـ & جـ


كيف أحدد ميزانية التسويق في شركتي الناشئة؟

ابدأ بعدد العملاء الذين تستهدف كسبهم، واحسب تكلفة الوصول إليهم بناءً على معدل التحويل وتكلفة الاكتساب، ثم أضف تكاليف المحتوى والإدارة. هذه الطريقة أكثر دقة من الاعتماد على النسب المئوية فقط.


لماذا يؤثر حجم السوق في ميزانية التسويق؟

لأن الوصول إلى شريحة فعّالة من سوق كبير يتطلب ميزانية أعلى، بينما يمكن الاكتفاء بميزانية محدودة في سوق ضيّق إذا كانت الرسالة التسويقية واضحة ومركزة.


هل تكفي نسبة من الإيرادات لتحديد الميزانية؟

لا، النسبة وحدها قد تُضللك. لا بد من ربط الميزانية بحجم السوق، وعدد العملاء المطلوبين، وتكلفة الوصول إليهم فعليًا.


متى أضخّم الميزانية، ومتى أكتفي بالقليل؟

ضخّم الميزانية عند استهداف سوق واسع مع قدرة تشغيلية واضحة. واكتفِ بالقليل في الأسواق المتخصصة حيث يُمكن للمحتوى الدقيق أن يحقق أثرًا أكبر بتكلفة أقل.


ما الفرق بين TAM و SAM و SOM؟

TAM هو إجمالي الطلب الممكن، SAM هو من يمكنك الوصول إليهم فعليًا، و SOM هو الجزء الذي تتوقع فعليًا كسبه خلال فترة زمنية محددة . الميزانية تُبنى على SOM غالبًا.


ما علاقة التمويل بميزانية التسويق؟

إذا كان تمويلك خارجيًا وتسعى لنمو سريع، يمكنك تخصيص ميزانية كبيرة نسبيًا. أما إن كنت تموّل ذاتيًا، فيجب أن توازن بين الإنفاق والبقاء التشغيلي.

اترك أول تعليق