من أكثر الأخطاء الشائعة في بيئة العمل، خاصةً في الفرق الصغيرة والمتوسطة، هي الاعتماد على الأشخاص بدلًا من الاعتماد على الأنظمة. عندما يبني فريقه على المهارات الفردية، يصبح العمل هشًّا، متقلبًا، وغير قابل للتكرار أو القياس. أما عندما يُبنى على نظام، فإن الأداء يصبح أكثر استقرارًا وتطورًا.
وعندما قرأت هذه هذه التغريدة، شعرت باستثارة لاكتبا ةبخصوص هذا الموضوع:
لذا، دعني أشرح لك كيف يمكن لفريقك أن يتحول من كومة من المهام المتناثرة إلى آلة عمل تعمل بكفاءة ودون فوضى.
الخطوة الأولى: حوِّل المهام إلى عمليات
أول ما يجب أن تفعله هو تحويل الأدوار داخل الفريق إلى “عمليات”. أعني بذلك أن تتحول كل وظيفة داخل المشروع إلى سلسلة من الخطوات المحددة سلفًا، لا تعتمد على ذاكرة الأفراد أو اجتهادهم، بل على وثائق مكتوبة توضح بدقة: ما الذي يجب أن يحدث، ومتى، ومن المسؤول، وكيف نعلم أنه انتهى؟
يسمّى هذا النوع من التوثيق SOP – Standard Operating Procedures، وهو أشبه بكتيّب التشغيل الداخلي لخدمتك. ووفقًا لتقرير نشرته worldmetrics، فإن توثيق العمليات يقلل من الأخطاء التشغيلية بنسبة تصل إلى 50%، ويزيد من سرعة الإنجاز بنحو 70% في المتوسط.
مثال واقعي: لنفترض أنك تدير وكالة تسويقية. بدلًا من أن تعتمد في تسليم المشاريع على “الخبرة” أو “الاجتهاد”، ضع عملية مثل:
استلام العميل > كتابة ملخص المشروع > الاجتماع الأول > إعداد خطة العمل > التوزيع على الفريق.
كل مرحلة يجب أن تكون واضحة بنقطة بداية ونقطة نهاية، وشخص مسؤول، ومتطلبات واضحة.
الخطوة الثانية: درّب فريقك على هذه العمليات
بعد كتابة العمليات، لا تقع في فخ الاعتقاد أن التوثيق وحده يكفي. الوثيقة غير المفهومة لا تساوي شيئًا، تمامًا مثل خطة العمل التي لا تُنفّذ.
خصص وقتًا لتدريب الفريق على هذه العمليات. خذ كل عملية على حدة، واشرحها، وناقشها، ثم اختبر تطبيقها في سياقات فعلية. الهدف أن تصبح العملية تلقائية لديهم، كأنها عادة.
لاحظ أن التدريب لا يعني فقط “الشرح”، بل يعني أيضًا الممارسة، والتمرين، وتصحيح الأخطاء، وتحسين الخطوات حسب الواقع.
وهنا يمكنك استخدام أدوات مثل Loom لتسجيل شروحات الفيديو، أو حتى Google Meet لتدريب حيّ وتفاعلي.
الخطوة الثالثة: اختر الأداة المناسبة لإدارة الفريق
كثير من المدراء يقعون في فخ الأدوات. يعتقدون أن مجرد الاشتراك في منصة مثل Asana أو Notion سيحل كل المشكلات، في حين أن العكس هو الصحيح: الأداة بدون نظام واضح مجرد عبء إضافي.
ابدأ من حيث أنت. إن كانت مواردك محدودة، فـ Google Docs أكثر من كافية. سهلة، مجانية، وسريعة، وتفي بالغرض في تنظيم الخطوات والملفات وربطها بأعضاء الفريق.
ثم إذا نضج الفريق واحتاج لتوسعة، يمكنك الانتقال إلى أدوات أكثر تخصيصًا مثل ClickUp أو Monday أو حتى Airtable.
الخطوة الرابعة: صمِّم العمليات على الأداة
لا تترك العمليات على الورق أو في ملفات Docs فحسب، بل حوّلها إلى مهام قابلة للتنفيذ داخل الأداة التي اخترتها.
يعني ذلك أن تتحول عملية “كتابة المقال” مثلًا إلى مهمّة في الأداة، داخلها خطوات واضحة، ومرفقات جاهزة، وتواريخ تسليم، وشخص مسؤول، وتعليقات، ومكان لمراجعة المخرجات.
وهنا مربط الفرس. لأن الأدوات الرقمية اليوم تتيح لك أن تخلق “لوحة تشغيل” شبه آلية للعمل اليومي للفريق، بحيث لا أحد يسأل “إيه المطلوب مني؟”، أو “فين الملف؟”، أو “المشروع ده على فين؟”.
ما الذي تبدو عليه العملية المتكاملة داخل الفريق؟
دعنا نرسم الصورة النهائية لما نريده من تنظيم العمل داخل الفريق:
> مسؤول المبيعات > مسؤول التفاوض > استلام المشروع > التخطيط > Onboarding للفريق > كتابة > تصوير > تصميم > مراجعة واعتماد > نشر وترويج > مراجعة وتقييم > تغذية راجعة
كل خطوة من هذه تمثل “عملية” مستقلة، لكنها متصلة بما قبلها وما بعدها. وعند تنفيذها وفق تسلسل مضبوط، يمكن للفريق أن ينفذ عشرات المشاريع دون أن تختلط الأوراق أو تتكرر الأخطاء.
مثال افتراضي بسيط: مشروع إنتاج فيديو قصير.
هل يبدأ بالتصوير؟ لا.
بل يبدأ بـ:
- تحديد الهدف.
- ثم كتابة السكربت.
- ثم مراجعة السكربت.
- ثم التحضير للتصوير.
- ثم التصوير.
- ثم المونتاج.
- ثم مراجعة الجودة.
- ثم النشر.
كل مرحلة لها مسؤول، ووقت محدد، ومخرجات واضحة.
التواصل الداخلي: خيط النجاح الذي لا يُرى
حتى أفضل العمليات تنهار إذا غاب التواصل الداخلي الفعّال. وهنا يكفي أن تعتمد قاعدة بسيطة أثبتت فعاليتها في فرق متعددة حول العالم:
- اجتماع يومي سريع (10 دقائق)لمراجعة المهام الحالية وإنجازات الأمس.
- اجتماع أسبوعي مفصّللمراجعة المشاريع والملفات المفتوحة.
- اجتماع شهري مع صاحب المشروع أو الإدارةلتقييم الأداء العام وتلقي الملاحظات.
هذا النمط من الاجتماعات يسمى Stand-Up Meetings،
الختام: النظام لا يُقيد، بل يُحرِّر
في البداية، سيبدو لك أن كتابة كل شيء، وتدريب الفريق، وتصميم العمليات، أشبه بتضييق أو تعقيد. لكن في الواقع، هذه المنهجية هي التي ستمنحك الحرية الحقيقية: حرية من متابعة التفاصيل الصغيرة، حرية من الأخطاء المتكررة، وحرية من أن يكون كل شيء معتمدًا عليك شخصيًا.
فكر في نظام التشغيل كأنه عقل الفريق… بينما كل فرد فيه هو اليد التي تنفذ.