من أكثر الأسئلة التي تتكرر، رغم بساطتها الظاهرة، هو: كيف يمكن تحديد مؤشرات أداء (KPI’s) تكون منطقية وقابلة للتحقيق وفقًا لكل هدف؟

لكن الحقيقة أن هذا السؤال يفتح بابًا مهمًا لفهم أعمق لطريقة التقييم واتخاذ القرار. وقد يساعدنا على تفسير بعض الحالات التي لا تحقق فيها الخطط التسويقية أو الإدارية النتائج المرجوة، رغم الالتزام الظاهري بالتنفيذ.

في هذا المقال، أشاركك بمنهجية شخصية طبقتها مرارًا، سواء في مشاريعي الخاصة أو في تعاملي مع فرق العمل والعملاء، وأسهمت في رفع كفاءة الأداء، وتقليل معدلات التوتر وسوء الفهم، وتحقيق نتائج يمكن قياسها بوضوح.

أولًا: طريقتي في تصنيف مؤشرات الأداء

قبل أن نحدد أي مقياس، يجب أن نسأل أنفسنا: هل نقيس “النتائج” أم “السلوك”؟

هذا التمييز محوري جدًا، لأن من يخلط بينهما غالبًا يظلم فريقه أو يضلل عملاءه أو يضع توقعات غير واقعية.

لذا أُقسِّم مؤشرات الأداء إلى صنفين أساسيين:

الصنف الأول: مؤشرات التنفيذ

وهنا نقيس مدى التزام الفرد أو الفريق بالعمل المطلوب، بغض النظر عن النتيجة النهائية. لماذا؟ لأن بعض النتائج لا يمكن ضمانها بنسبة 100% حتى مع الالتزام الكامل، خصوصًا في المجالات التي تتأثر بعوامل خارجية (مثل التسويق أو المبيعات أو حتى العلاقات العامة).

من أمثلة مؤشرات التنفيذ:

  • سرعة الاستجابة
  • الالتزام بالمواعيد
  • مرونة التعامل مع التغييرات
  • جودة التواصل
  • إغلاق المهام على النظام في الوقت المحدد

هذه المؤشرات لا تغني عن قياس النتائج، لكنها تضمن لنا أن الفريق يعمل بكفاءة، وأن أي تعثر في النتائج لا يعود لتقصير داخلي.

الصنف الثاني: مؤشرات النتائج

وهنا يكون التركيز على الأثر النهائيالذي نسعى لتحقيقه. وغالبًا ما ينقسم هذا الصنف بدوره إلى مستويين:

1. مؤشر مركزي واحديُعبّر عن النجاح

هذا هو المؤشر الأهم، الذي يُستخدم للحكم على نجاح العمل في المرحلة الحالية. لكن هذا المؤشر لا يمكن أن يكون ثابتًا في كل الأحوال، بل يتغير حسب:

  • مرحلة المشروع: في البداية، يكون من المنطقي أن نركز على عدد العملاء المحتملين. لكن بعد مرور وقت، يصبح المهم هو تكلفة الاكتساب، أو متوسط العائد على الإعلان.
  • نوع النشاط: مشروع تجاري ناشئ يختلف عن حساب تسويقي لحملة خيرية.
  • نطاق العمل: هل دورك ينحصر في الحملات؟ أم تشمل الاستراتيجية والتسعير والمحتوى والمبيعات؟

أمثلة على مؤشرات مركزية:

  • عدد العملاء المحتملين
  • تكلفة العميل المحتمل (CPL)
  • عدد الطلبات
  • متوسط العائد الإعلاني (ROAS)
  • تكلفة الاكتساب (CAC)

2. مؤشرات فرعية داعمة

لكل مؤشر مركزي، توجد مؤشرات فرعية تمثل سلسلة من العوامل التي تساهم في تحقيقه. دورها هنا أشبه بـ “عدادات التشخيص” التي تساعدنا على تتبع مصدر المشكلة عند انحراف النتائج.

مثلًا، إذا كان الهدف هو توليد العملاء المحتملين من نموذج على صفحة هبوط، فالمؤشرات الفرعية قد تشمل:

  • عدد مشاهدات الصفحة
  • وقت المكوث في الصفحة
  • تكلفة النقرة (CPC)
  • معدل التحويل من زيارة إلى تعبئة النموذج
  • تكلفة الوصول (CPM)

وجود هذه المؤشرات يُتيح لنا تحليل كل مرحلة من رحلة العميل، وتحديد مكان التسرب بدقة، مما يسمح بتدخل تصحيحي سريع وفعّال.

كيف تساعدك هذه المنهجية في الواقع؟

هذه الطريقة تساعدني – باستمرار – على تحقيق ثلاث فوائد محورية:

  • التمييز بين الالتزام والتقصير
    إذا كانت النتائج ضعيفة، لكن مؤشرات التنفيذ إيجابية، أعرف أن المشكلة ليست في الفريق، بل ربما في التوجيه أو السوق أو الاستراتيجية. وهذا يمنع الظلم ويخلق بيئة عمل صحية.
  • التشخيص الدقيق للمشكلة
    عندما ينخفض المؤشر المركزي، لا أحتاج إلى التخمين. أرجع للمؤشرات الفرعية وأرى: هل المشكلة في الوصول؟ أم في معدل التحويل؟ أم في تكلفة النقرة؟ وهكذا.
  • تفادي مقاييس الغرور
    بعض الأرقام “تبان حلوة” لكنها بلا معنى. مثلًا: عدد المتابعين، أو نسبة النمو في الوصول، إذا لم ترتبط بهدف واضح، تصبح مجرد زينة. وجود مؤشر مركزي واضح يجعلني لا أنخدع بالمقاييس الفرعية إذا لم تكن مرتبطة فعليًا بالنتيجة.

الخلاصة

ليس المطلوب أن تستخدم كل هذه المؤشرات دفعة واحدة. بل المطلوب أن تعرف أيها الأنسب لمرحلة عملك الآن.

ابدأ من هدفك الحقيقي، ثم اختر له مؤشرًا مركزيًا واضحًا. بعد ذلك، اسأل نفسك: ما العوامل التي تؤثر على هذا المؤشر؟ اجعلها مؤشرات فرعية، وراقبها.

ومع الوقت، ستجد أن هذه المنهجية لا تُحسن أداءك فقط، بل تُحسّن علاقتك بفرق العمل والعملاء، لأنها تضع الجميع أمام أرقام واضحة، ومقاييس منطقية، وتوقعات قابلة للتحقيق.

اترك تعليقك