كثيرًا ما يُطرح هذا السؤال:

“كم أحتاج أن أخصص للتسويق؟”

لكن السؤال الأدق – والذي لا يُطرح بما يكفي – هو:

“كم أخصص لفريق التسويق؟ وكم للحملات؟ وكم لبقية الأنشطة المرتبطة؟”

فمهما كان حجم الميزانية، يمكن أن تتحوّل إلى عبء مالي لا طائل منه، إن لم تُوزّع بعقلانية.

والعقلانية هنا لا تعني الشح، بل الفهم الواضح لما يلي:

  • أين يقف مشروعك الآن؟
  • ما الذي يحتاجه فعلًا في هذه المرحلة؟
  • وما طبيعة السوق التي يتحرك ضمنها؟

أولًا: كيف تُحدّد الميزانية التسويقية للمشروع؟

1. لا تبدأ من النسبة، بل من الهدف

يُنصح كثيرًا بتخصيص نسبة من الإيرادات للتسويق، كأن يُقال: 5% أو 10%.
وقد تكون هذه النسبة نقطة انطلاق مقبولة، لكنها لا تصلح كمرجعية مطلقة.

فعلى سبيل المثال، أشار تقرير Gartner لعام 2022 إلى أن متوسط الإنفاق التسويقي عالميًا بلغ 9.5% من إجمالي الإيرادات، بعد تراجعٍ في عام 2021 إلى 6.4%.
لكن هذا المتوسط يخفي تفاوتًا كبيرًا بين القطاعات:

  • في بعض قطاعات B2C، قد تصل النسبة إلى 15% أو أكثر
  • بينما في شركات B2B، قد تنخفض إلى 5% أو حتى أقل

والأهم من النسبة هو المرحلة التي يمر بها مشروعك:

  • إن كنت في مرحلة الإطلاق أو بناء السوق، فقد تحتاج إلى إنفاق أعلى من العائد المتوقع على المدى القصير — وهي نقطة تؤكدها عدة دراسات في تسويق SaaS مثل RampIQ.
  • أما إذا كان المشروع مستقرًا ويملك قاعدة عملاء نشطة، فربما يكون الإنفاق الأقل هو الأنسب، مع التركيز على تعزيز الولاء وتكرار الشراء.

ولهذا، ابدأ من الأسئلة الآتية:

  • ما الهدف التسويقي خلال الأشهر الستة القادمة؟
  • كم تكلفة الوصول إليه؟
  • ما العائد المتوقع؟
  • وهل تستطيع تحمّل هذه التكلفة ضمن ميزانية المشروع الكلية؟

2. قدّر الميزانية من أسفل إلى أعلى

كثير من الشركات تبدأ هكذا: “لنخصص 100 ألف ريال، ثم نقرر كيف ننفقها.”

لكن المنهج الأفضل أن تبدأ من احتياجاتك الفعلية، ثم تُبني الميزانية بناءً عليها.

مثال على ذلك:

  • محتوى: كتابة، تصوير، تصميم
  • إعلانات مدفوعة: Google، سناب شات، إنستغرام
  • أدوات: تحليل، تتبّع، إدارة العملاء
  • موارد بشرية: فريق داخلي أو خارجي

اجمع هذه البنود للوصول إلى “الميزانية الفعلية” التي يحتاجها المشروع لتحقيق أهدافه.

ثم اسأل:

هل يمكن تغطية هذه الميزانية؟ هل تحتاج إلى تقليص أو إعادة توزيع؟ هل هناك أولويات يجب تقديمها على غيرها؟

3. اربط الميزانية بعائد قابل للقياس

ليس المطلوب أن تُحقق كل حملة ربحًا فوريًا، لكن لا بد من وجود منطق مالي يربط بين الإنفاق والعائد المتوقع.

على سبيل المثال:

إن كنت تخطط لإنفاق 50,000 ريال وتتوقع تحقيق مبيعات بقيمة 250,000 ريال، فالسؤال الحقيقي هو: هل المعادلة منطقية؟

دعنا نُبسّطها رقميًا:

  • تكلفة النقرة: 3 ريال
  • معدل التحويل: 2%
  • 1000 نقرة = 3,000 ريال
  • 2% تحويل = 20 طلب
  • تكلفة كل طلب = 150 ريال

إذا كان متوسط قيمة الطلب 500 ريال، وهامش الربح 150 ريال فقط، فإن المشروع يُحقق بالكاد نقطة التعادل، وربما أقل.

ثانيًا: كيف تُحدّد ميزانية فريق التسويق؟

1. افصل بين “الميزانية التشغيلية” و”ميزانية الفريق”

ميزانية الفريق تشمل:

  • رواتب وأجور
  • أتعاب وكالات أو مستقلين
  • أدوات خاصة بالفريق
  • التدريب والتطوير

أما الميزانية التشغيلية فهي:

  • الإنفاق على الإعلانات
  • إنتاج المحتوى
  • الاشتراكات في أدوات التحليل أو إدارة الحملة

لا تخلط بينهما.

وجود فريق محترف لا يُغنيك عن الإنفاق على السوق، كما أن الإعلانات دون إدارة فعالة قد تهدر كامل الميزانية.

2. لا تبدأ بالأشخاص، بل بالمهام

السؤال ليس: “هل أحتاج إلى موظف تسويق؟”

بل: “ما المهام المطلوبة؟ ومن الأفضل لتنفيذها؟”

ربما تكتشف أن ما تحتاج إليه هو متخصّص مستقل، أو وكالة، أو حتى موظف جزئي.

مثال للتقريب:

شركة ناشئة خصصت 100,000 ريال للتسويق خلال 3 أشهر، وتهدف إلى بناء وعي وجذب عملاء محتملين.

هنا، التوزيع المقترح هو:

  • 20,000 ريال لإنتاج المحتوى
  • 50,000 ريال للحملات الإعلانية
  • 25,000 ريال للإدارة والتنفيذ
  • 5,000 ريال للأدوات

لكن إذا تم التعاقد مع وكالة بـ 30,000 ريال لإدارة الحملة، فستُعاد هيكلة التوزيع بالكامل.

3. لا تجعل ميزانية الفريق تلتهم التنفيذ

من أكثر الأخطاء شيوعًا أن يُنفق المشروع الجزء الأكبر من الميزانية على فريق التسويق (داخليًا أو خارجيًا)، ويتبقّى القليل للتنفيذ الفعلي.

فبعض الأعمال تجدها تُخطئ الخطأ التالي في التوزيع:

  • ميزانية التسويق: 60,000 ريال
  • أُنفِق منها 45,000 ريال على الوكالة
  • ولم يتبقَّ سوى 15,000 ريال للإعلانات والمحتوى

أي أن 75% من الميزانية ذهبت إلى “إدارة” التسويق، وليس إلى السوق ذاته.

قاعدة ذهبية:

كل ريال يُدفع لفريق التسويق، لا بد أن يُقابله – على الأقل – ريال آخر يُنفق على السوق.

فالفريق يُخطّط ويُنفّذ، لكن السوق هو من يختبر النتيجة.

ولا نتيجة دون إعلان أو محتوى أو أدوات حقيقية تصل إلى الجمهور.

الخلاصة:

إذا أردت أن تُنفق بذكاء وتُحقّق نتائج فعلية، فتذكّر هذه المبادئ:

  • ابدأ بتحديد أهدافك التسويقية بدقة، فبدون أهداف واضحة ستتوزّع الميزانية بلا وجهة.
  • لا تقدّر الميزانية من الأعلى، بل اجمع التكاليف من الأسفل، بناءً على ما يحتاجه المشروع فعلًا.
  • افصل دائمًا بين ميزانية الفريق (الرواتب والأتعاب) وميزانية التشغيل (الإعلانات والمحتوى).
  • لا تبدأ من الأشخاص الذين تريد توظيفهم، بل من المهام التي تريد إنجازها.
  • راقب توزيع الإنفاق: هل يُوجَّه الجزء الأكبر إلى التنفيذ الفعلي، أم يضيع في الإدارة؟
  • وأخيرًا، اربط كل بند إنفاق بهدف واضح أو عائد متوقّع، حتى وإن لم يكن مباشرًا.

اترك تعليقك