لأن “المناسب لك” ليس هو نفسه المناسب لغيرك… والقرار يتغير حسب القطاع، والميزانية، والمرحلة.
هبْ أن صديقًا لك يعمل في قطاع المطاعم، وشاركك قصة نجاحه مع مسوّق إلكتروني استطاع خلال ثلاثة أشهر فقط أن يضاعف عدد الطلبات ويزيد أرباحه بشكل لافت. فتحمست للفكرة، وطلبت التواصل مع نفس المسوّق.
لكن بعد أسابيع من الحملات والتجارب، لم تجد نتائج تُذكر. ليس لأن المسوّق ضعيف… بل لأنه لا يفهم السوق الذي تعمل فيه، ولا سلوك عملائك، ولا توقيت اتخاذ القرار في مجالك. الخلل لم يكن في المهارة، بل في الملاءمة.
وهنا تقع الغلطة الشائعة: كثيرون يظنون أن أي مسوّق ناجح مع غيرهم سينجح معهم بالضرورة. بينما الحقيقة أن نجاح التسويق لا يعتمد فقط على المهارات التقنية، بل على مدى فهم المسوّق لطبيعة مشروعك وسياقه.
في هذا المقال، لن نكتفي بوصف الصفات العامة للمسوّق الجيد، بل سنفكّك معًا المعايير التي تحدد من هو «المناسب لك» فعلًا، بناءً على نوع مشروعك، ومرحلتك، وسلوك عملائك، وطبيعة السوق الذي تتحرك فيه.
أولًا: هل مشروعك مثل غيره؟ بالطبع لا.
دعني أطرح عليك سؤالًا بسيطًا:
هل من يبيع منتجًا بقيمة خمسين ريالًا، يُفكّر بنفس طريقة من يوقّع عقودًا بعشرات الآلاف؟
وهل من يتعامل مع جمهور الأفراد كمن يتعامل مع مديري مشتريات في شركات كبرى؟
أو من أطلق مشروعه قبل ثلاثة أشهر كمن بنى علامة تجارية مستقرة منذ سنوات؟
الإجابة واضحة… بالطبع لا.
وهنا تكمن نقطة الانطلاق.
اختيار المسوّق لا يجب أن يكون قرارًا عامًا، بل قرارًا مبنيًّا على واقعك أنت.
فاختلاف طبيعة المشروع يغيّر قواعد اللعبة كلها:
- طول دورة البيع: هل العميل يقرّر سريعًا؟ أم يحتاج إلى متابعة ووقت وثقة؟
- نموذج العمل: هل تبيع للأفراد (B2C)؟ أم تستهدف الشركات (B2B)؟ أم مزيج بينهما؟
- مرحلة المشروع: هل ما زلت في طور التأسيس؟ أم أنك في مرحلة توسّع تحتاج إلى استراتيجيات مختلفة؟
- قنوات البيع والتوزيع: هل تعتمد على متجر إلكتروني؟ أم لديك فروع؟ أم تسوّق عبر المنصات الاجتماعية؟
- الميزانية التسويقية: هل مرنة وتتحمّل التجريب؟ أم محدودة وتتطلب حسابات دقيقة لكل خطوة؟
كل عامل من هذه يغيّر شكل المسوّق الذي تحتاجه، ومدى عمقه، وطريقة تفكيره.
فالمسوّق الجيد في حد ذاته، لا يعني بالضرورة أنه المناسب لك.
مشاريع B2C الاستهلاكية: السرعة والوضوح أولًا
إذا كنت تبيع منتجًا استهلاكيًا مباشرًا، مثل العطور، الملابس، أو أدوات المطبخ، فالمعادلة عندك واضحة: العميل لا يُفكّر طويلًا، بل يشتري بدافع الرغبة أو الحاجة اللحظية.
وهنا، تحتاج إلى مسوّق يفهم هذه المعادلة، ويعرف كيف يصمم حملة:
- سريعة الإيقاع، واضحة الرسالة.
- تعتمد على التحفيز العاطفي للشراء.
- قابلة للقياس والتعديل لحظيًا.
ابحث عن مسوّق لديه خبرة في المنتجات سريعة الدوران، ويُجيد ضبط العروض الترويجية، إدارة الحملات الممولة، وتحسين تجربة المتجر الإلكتروني لجعل القرار الشرائي أسهل ما يكون.
مثال: متجر إلكتروني لبيع العطور الفاخرة لا يحتاج إلى استراتيجية محتوى طويلة النفس، بل إلى من يصنع حملة موسمية ذكية تُبرز العرض، تُثير رغبة الشراء، وتحوّل الزيارة إلى طلب خلال دقائق.
في هذا النوع من المشاريع، التفاصيل الصغيرة — مثل توقيت الإعلان أو شكل البانر — قد تصنع الفارق.
مشاريع B2B: العمق أولًا، ثم الإقناع
أما إن كنت تبيع منتجات أو خدمات موجهة للشركات، فالقصة مختلفة تمامًا.
القرار لا يُتخذ في لحظة، ولا من شخص واحد، بل من لجنة تفكّر، وتحلل، وتقارن.
هنا، تحتاج إلى مسوّق من نوع آخر:
- يفهم أن بناء الثقة هو البداية لا النتيجة.
- يعرف كيف يُطوّر رحلة عميل طويلة، ومعقّدة، ومتعدّدة الأطراف.
- يجيد التحدّث بلغة المدير التنفيذي… وبنفس الوقت يخاطب الفريق الفني أو المالي بلغة الأرقام والفوائد.
في هذا السياق، المسوّق الذي يُجيد تشغيل الحملات لا يكفي.
أنت بحاجة إلى من يتقن كتابة المحتوى التثقيفي، يفهم تسويق العلاقات، ويعرف كيف يستخدم LinkedIn والبريد الاحترافي لبناء حضور قوي يُراكم الثقة تدريجيًا.
مثال: شركة تقدم نظامًا برمجيًا لإدارة العمليات لن تستفيد كثيرًا من حملة إعلانية صاخبة، بل من سردية ذكية تُفكك المشكلة، وتُظهر الحل، وتكسب ثقة المدير التنفيذي والفريق التقني في وقت واحد.
في مشاريع B2B، البيع لا يبدأ من الإعلان… بل من السؤال الصحيح والمحتوى الذكي.
المشاريع في مراحلها الأولى: التجريب الذكي
إذا كنت ما زلت في بداية الطريق، فأنت لا تحتاج إلى فريق كامل ولا إلى خطط تسويقية معقّدة.
بل تحتاج إلى شخص يفكّر معك، ويجرّب معك، ويقرأ النتائج بعيون صاحبة مشروع، لا موظّف ينتظر التوجيه.
ابحث عن مسوّق:
- يعرف كيف يختبر رسائلك التسويقية دون إنفاق ضخم.
- يُجيد العمل على قنوات متعددة ليكتشف الأنسب لجمهورك.
- يضع أمامك تحليلات واضحة، تخبرك بما نجح، وما لم ينجح، ولماذا.
كل خطوة يجب أن تكون تجربة محسوبة، لا مغامرة مرتجلة.
لذلك، ابحث عن مسوّق خفيف الحركة، متعدّد المهارات، يفهم قيود البدايات، ويملك مرونة تسمح له بالتأقلم سريعًا.
مثال: كثير من المشاريع الصغيرة تخسر وقتًا ومالًا ثمينًا، فقط لأنها استعانت بوكالة ضخمة، حملت معها أفكارًا جاهزة، دون أن تفهم تفاصيل السوق، أو تعطي المشروع فرصة للتجريب الحقيقي.
البدايات تحتاج إلى من يمشي معك خطوة بخطوة… لا من يسبقك بخطّة لا تناسبك.
المشاريع في مرحلة التوسع: حان وقت الهيكلة والقياس
في مرحلة التوسّع، لم تعد تسأل: “هل تنجح هذه الحملة؟” بل:
“أي القنوات تُحقق أفضل عائد؟ كيف نكرّر النجاحات؟ وما الذي يجب أن يتوقف؟”
هنا، تتغير طبيعة المسوّق الذي تحتاجه. لم تعد تبحث عن منفّذ سريع، بل عن شخص يفكّر بمنطق النظام.
تحتاج إلى مسوّق:
- يحدد بوضوح من هو جمهورك المثالي (وليس فقط من يشتري).
- يربط القنوات المختلفة بهدف واحد، ويقيس أداء كل منها.
- يُخرجك من الفوضى التشغيلية، ويبني لك آلية تسويق يمكن تكرارها وتطويرها.
ليس شرطًا أن يكتب المحتوى بنفسه، أو يدير الحملات بيديه.
لكن لا بد أن يكون هو من يربط كل القطع ببعضها، ويحوّل النشاط التسويقي من محاولات منفصلة… إلى ماكينة تعمل بانسجام.
غالبًا، هذا هو المسوّق الذي يُدرّب فريقك، ويضع KPIs واقعية، ويجعلك ترى التسويق كما يجب أن يكون: أداة للسيطرة على النمو، لا ردّ فعل له.
مثال: متجر إلكتروني بدأ بتحقيق مبيعات جيدة من إعلانات TikTok، لكنه فقد السيطرة على تحليل الأرقام. بعد الاستعانة بمسوق استراتيجي، تم تنظيم الحملات، توحيد الرسائل، وربطها بأهداف المبيعات الشهرية، فتضاعف العائد بنسبة 40% خلال 3 أشهر فقط.
لا تتفاجأ إن احتجت أكثر من شخص
أحيانًا، وخاصة في مراحل النمو، لا يكفي وجود مسوّق واحد.
قد تحتاج إلى من يخطط، وآخر يُنفّذ. أو تجمع بين موظف داخلي يفهم تفاصيل العمل اليومي، وفريلانسر أو وكالة تُضيف زاوية خارجية وخبرة أوسع.
وهذا طبيعي.
المهم أن تدرك أنه لا يوجد نموذج واحد صالح لكل المشاريع.
ما يناسب متجرًا إلكترونيًا ناشئًا، قد لا يناسب شركة SaaS في طور التوسّع.
لكن وسط كل الخيارات، تبقى القاعدة الذهبية:
لا توظّف منبهرًا بالسيرة الذاتية… بل من يفهم سياقك، ويسأل الأسئلة الصحيحة، ويقترح قبل أن تُطالَب.
المسوّق المناسب لك، هو من يُشبه مشروعك، لا من يُبهرك بلغة مبهرة.
الخلاصة
المسوّق المناسب لك، ليس بالضرورة هو الأشهر… ولا الأرخص… ولا حتى الأكثر شهادات.
بل هو من يفهم طبيعة مشروعك، ومرحلته، وسلوك عملائك.
من يتحدث بلغتك، ويرى الصورة كاملة، ولا يكتفي بترقيع التفاصيل.
لا تبحث عن نموذج جاهز، فالوصفة تختلف باختلاف السياق.
خذ وقتك في الاختيار… واستثمر في من يفهمك، قبل أن يُروّج لك.
اقرأ أيضًا: هل تحتاج إلى مسوّق إلكتروني؟ إليك كل ما يجب أن تعرفه قبل أن تدفع ريالًا واحدًا
قد يُعجبك أيضًا:
- بعد التعاقد: كيف تُتابع أداء المسوّق دون أن “تخنقه”؟
- قبل أي حملة تسويقية: هذا ما يجب أن يعرفه المسوّق عن مشروعك بالتفصيل
- متى يجب أن تنهي العلاقة مع المسوّق؟ [علامات حمراء لا يجب تجاهلها]
- متى يكون التعاون مع مسوّق مستقل هو الخيار الأمثل لعملك؟
- المسوّق أم المشروع؟ أين تقع المشكلة الحقيقية عندما تفشل الحملة التسويقية؟
- قبل التعاون مع مسوّق: 6 أخطاء شائعة تُفسد العلاقة وتفشل العمل من البداية