كم من منشورٍ ثمين كتبته على منصة تواصل اجتماعي، ثم نُسي بعد أيام أو أسابيع؟
كم من فكرةٍ متقنة صغتها بتعب وجهد، ثم دفنتها الخوارزميات في أعماق الجدول الزمني؟
كم مرة شعرت أن ما كتبته يستحق أن يُقرأ بعد شهر، وبعد عام، وبعد عقد، لكنه للأسف… لم يعد يُرى؟
هذه مشكلة حقيقية يعاني منها كل من يشارك المعرفة عبر الإنترنت، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي التي تُعلي من شأن الآنيّ، وتدفن سريعًا ما مضى.
وهنا يأتي السؤال المنطقي:
لماذا لا تُنشئ لنفسك مدونة، تحفظ فيها هذا الجهد من الضياع؟
المنصات الاجتماعية: سريعة الزوال… عظيمة التبديد!
لنعترف: المنصات الاجتماعية لم تُصمَّم لتكون أرشيفًا طويل الأجل.
بل هي مصممة لتُشبع فضول اللحظة، ترفع منشورك اليوم، وتلقي به غدًا في غياهب الخوارزميات.
حتى لو كان المحتوى غنيًّا بالمعرفة أو نافعًا للناس، فإن دورة حياته أقصر مما تتخيل:
- منشور على تويتر (X) يعيش عادة بضع ساعات
- منشور على إنستغرام: يوم أو يومان
- قصة أو “ستوري” تختفي خلال 24 ساعة
بالتالي، فإن النشر الحصري على هذه المنصات يعني أن المحتوى مهما كان عميقًا، عُرضة للاندثار السريع.
التدوين: استثمار طويل الأمد في محتواك
المدونة، في المقابل، هي مساحة محمية، منظمة، وقابلة للأرشفة والتحديث، تُمكّنك من:
- جمع أفكارك في مكان واحد
- ترتيب المحتوى حسب التصنيفات والمواضيع
- أرشفته في نتائج البحث، ليجده من يبحث عنه بعد سنة أو عشر
- ربط المقالات ببعضها لتعزيز الفهم والعمق
- البناء التدريجي لمكتبة رقمية تمثّلك وتُعبّر عن خبرتك
وليس بالضرورة أن تبدأ مدونة مدفوعة أو متقدمة.
حتى على منصات مجانية مثل Blogger أو WordPress.com، يمكنك أن تبدأ فورًا، وبدون أي تكلفة تُذكر.
هل التدوين مجهد؟ وهل ما زال أحد يقرأ المدونات؟
سؤال مشروع.
لكن الأرقام لا تكذب:
- 77% إلى 83% من مستخدمي الإنترنت يقرؤون المدونات بانتظام، أي حوالي 4.4 مليار شخص من أصل 5.35 مليار مستخدم إنترنت
- هناك أكثر من 600 مليون مدونة وأكثر من 2.5 مليار تدوينة تُنشر سنويًا.
- المدونات تقدم محتوى معمق وموثوق أكثر من وسائل التواصل الاجتماعي، ويثق بها الجمهور المتخصص في مجالات محددة.
التدوين ليس صرعة قديمة، بل بنية تحتية معرفية تسمح لك بتحقيق أثر طويل الأجل.
مثال واقعي يُوضح الفرق
تخيّل أنك كتبت سلسلة منشورات قيّمة حول “التسويق للمشاريع الناشئة”.
نشرتها على فيسبوك وتويتر، وتفاعَل معها الناس في حينها.
بعد شهر، نسيها الجميع، وأصبحت مضطرًا إما إلى إعادة نشرها، أو اعتبارها جزءًا من الماضي.
لكن لو كانت في مدونة، لكان بإمكانك ببساطة أن:
- تُرسلها كمرجع لعميل جديد
- تُحدثها بعد سنة لتضيف إليها رؤى جديدة
- تظهر في نتائج البحث حين يبحث أي شخص عن “تسويق المشاريع الناشئة”
- تبني عليها سلسلة جديدة تكمل الفكرة
هذا ما نسميه: استدامة المحتوى.
الخلاصة: لا تبنِ بيتك المعرفي على أرض مستأجرة
وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون مدخلك للجمهور، لكنها ليست مخزن معرفتك ولا أرشيف أفكارك.
إنشاء مدونة – ولو بسيطة – يُعد خطوة استراتيجية تحفظ مجهودك، وتبني لك رصيدًا رقميًّا متراكبًا، بدلًا من النشر المؤقت الذي يُنسى.
اكتب حيث يُمكن أن يُعاد اكتشافك، لا حيث تُطوى صفحتك بعد ساعات.
ابدأ اليوم، ولو بخطوة صغيرة.