هل سبق لك أن استيقظت صباحًا لتتفقد أداء حملاتك الإعلانية، فتكتشف أن جزءًا كبيرًا من ميزانيتك قد أُنفِق في الثالثة فجرًا على نقرات لم تحقق أي مبيعات؟ تشعر وكأنك ألقيت أموالك في بئر لا قرار له. ماذا لو كان بإمكانك تعيين “حارس شخصي” لحملاتك الإعلانية، يوقفها عندما يكون جمهورك نائمًا، ويعيد تشغيلها مع أول فنجان قهوة لهم؟ هذا الحارس ليس خيالًا، بل هو أداة قوية تسمى “جدولة التسليم” (Schedule Delivery) ضمن القواعد التلقائية (Automated Rules) في منصات الإعلان الرقمي.

هذه الميزة ليست مجرد خيار تقني للمحترفين، بل هي استراتيجية ذكية يمكن لأي معلن، سواء كان يدير متجرًا صغيرًا أو حملات ضخمة، أن يستخدمها ليحول ميزانيته من مجرد إنفاق إلى استثمار دقيق ومربح. فكيف تعمل هذه الأداة السحرية؟ ومتى يصبح استخدامها ضرورة لا غنى عنها؟ وكيف يمكنك تفعيلها بنفسك اليوم؟

ما هي جدولة التسليم في القواعد التلقائية؟

لنفكك المصطلح أولًا. القواعد التلقائية (Automated Rules) هي بمثابة مساعدك الآلي داخل مدير الإعلانات (سواء في منصة ميتا، جوجل، تيك توك، وغيرها). يمكنك أن تملي عليه مجموعة من الأوامر والشروط، وهو سينفذها بدقة متناهية على مدار الساعة دون تدخل منك. على سبيل المثال، يمكنك أن تطلب منه إيقاف أي إعلان يتجاوز تكلفة معينة لكل نتيجة، أو زيادة ميزانية الإعلان الذي يحقق أداءً استثنائيًا.

أما جدولة التسليم (Schedule Delivery)، أو ما يُعرف أحيانًا بجدولة الإعلانات (Ad Scheduling)، فهي إحدى أهم القواعد التي يمكنك ضبطها. ببساطة، هي ميزة تسمح لك بتحديد الأيام والساعات الدقيقة التي ترغب في عرض إعلاناتك فيها، وإيقافها تلقائيًا خارج هذه الأوقات. بدلًا من ترك حملاتك تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع (وهو الوضع الافتراضي)، أنت تتحكم في “ساعات عمل” إعلاناتك لتتزامن مع “ساعات نشاط” جمهورك.

تخيل أنك تملك مقهى. هل من المنطقي أن تعرض إعلانًا عن قهوة الصباح في منتصف الليل؟ بالطبع لا. جدولة التسليم تضمن أن إعلانك يظهر للناس في الصباح الباكر عندما يبحثون عن جرعتهم من الكافيين، ثم يتوقف تلقائيًا في المساء. هذا هو جوهر الأداة: عرض رسالتك في اللحظة المثالية التي يكون فيها عميلك المحتمل أكثر استعدادًا للاستجابة.

متى يصبح استخدام جدولة الإعلانات ضرورة استراتيجية؟

قد تتساءل: “هل أحتاج حقًا إلى هذه الميزة؟”. الإجابة القصيرة هي: نعم، إذا كنت ترغب في تحقيق أقصى استفادة من كل ريال تنفقه. فالجدولة ليست مجرد أداة لتوفير المال، بل هي رافعة لزيادة العائد على الاستثمار (ROI) وتحسين أداء الحملات بشكل كبير. تشير بعض التحليلات إلى أن استخدام الجدولة الزمنية يمكن أن يرفع معدلات النقر إلى الظهور (CTR) بنسبة 20% ويخفض تكلفة النقرة (CPC) بنسبة 30%.

إليك بعض السيناريوهات التي يكون فيها استخدام جدولة التسليم خطوة لا غنى عنها:

  • إذا كان عملك له ساعات عمل محددة: لو كنت تدير مطعمًا، عيادة، أو شركة تقدم خدمات B2B، فمن غير المجدي عرض إعلانات خارج ساعات العمل حين لا يوجد من يرد على الهاتف أو يستقبل الطلبات. جدولة إعلاناتك لتعمل فقط خلال ساعات الدوام يضمن أن كل نقرة يمكن أن تتحول إلى عميل فعلي.
  • عندما تعرف سلوك جمهورك: هل بيانات صفحتك على فيسبوك (Page Insights) أو تحليلات جوجل تظهر أن جمهورك يتفاعل بكثافة خلال استراحة الغداء أو في المساء بعد انتهاء يوم العمل؟ استخدم هذه البيانات لصالحك. قم بجدولة إعلاناتك للظهور في أوقات الذروة هذه، وأوقفها في الأوقات التي يقل فيها التفاعل، مثل ساعات الصباح الباكرة أو أوقات العمل الرسمية إذا كان منتجك ترفيهيًا.
  • لإدارة الميزانية بذكاء (Dayparting): إذا كانت ميزانيتك اليومية محدودة وتنفد بسرعة قبل نهاية اليوم، فإن الجدولة تتيح لك “تقسيم اليوم” (Dayparting). بدلًا من استهلاك الميزانية كاملة بحلول الظهر، يمكنك توزيعها على الفترات الأكثر ربحية فقط، مما يضمن ظهور إعلاناتك في الأوقات المهمة فعلًا.
  • للحملات الترويجية والموسمية: هل لديك عرض خاص لنهاية الأسبوع؟ أو تخفيضات بمناسبة يوم معين؟ استخدم الجدولة لتشغيل إعلاناتك فقط خلال فترة العرض. يمكنك أيضًا تعديل عروض أسعارك (Bids) تلقائيًا لتكون أكثر تنافسية خلال مواسم الذروة، مثل الأعياد والمناسبات الخاصة.
  • عند استهداف مناطق زمنية مختلفة: إذا كان عملك عالميًا ويستهدف عملاء في بلدان مختلفة، فإن الجدولة تصبح أداة حيوية. يمكنك ضبط حملاتك لتعمل وفقًا للتوقيت المحلي لكل جمهور مستهدف، مما يضمن أن رسالتك تصلهم في الوقت المناسب لهم، وليس لك.

كيف تقوم بإعداد جدولة التسليم خطوة بخطوة؟

قد يبدو الأمر معقدًا، لكنه في الواقع أبسط مما تتوقع. المنصات الإعلانية مثل “ميتا” و”جوجل” توفر واجهات سهلة لإنشاء هذه القواعد. لنأخذ مثالًا تطبيقيًا مبسطًا على منصة ميتا (فيسبوك وإنستغرام):

  1. الوصول إلى القواعد التلقائية: من مدير الإعلانات (Ads Manager)، انقر على قائمة “جميع الأدوات” (All Tools) وابحث عن “القواعد التلقائية” (Automated Rules).
  2. إنشاء قاعدة جديدة: اضغط على زر “إنشاء قاعدة” (Create Rule) الأخضر. ستظهر لك نافذة جديدة. اختر “إنشاء قاعدة مخصصة” (Custom Rule) لتحصل على تحكم كامل.
  3. تحديد النطاق والإجراء:
    • تطبيق القاعدة على (Apply Rule To): اختر ما إذا كنت تريد تطبيق القاعدة على حملات معينة، مجموعات إعلانية، أو إعلانات فردية.
    • الإجراء (Action): هنا تختار ما سيحدث. ستحتاج إلى إنشاء قاعدتين منفصلتين غالبًا: واحدة للإيقاف وأخرى للتشغيل. اختر “إيقاف المجموعات الإعلانية” (Turn off ad sets) للقاعدة الأولى.
  4. ضبط الجدول الزمني (Schedule): هذا هو قلب العملية. ستظهر لك شبكة تحتوي على أيام الأسبوع والساعات.
    • لإنشاء قاعدة “إيقاف ليلي”، حدد الأيام (مثلًا، كل الأيام) والساعات التي تريد إيقاف الإعلانات فيها (مثلًا، من 12 صباحًا إلى 7 صباحًا).
    • مهم: ستحتاج إلى إنشاء قاعدة ثانية بنفس الخطوات، لكن اختر الإجراء “تشغيل المجموعات الإعلانية” (Turn on ad sets) وحدد الوقت الذي تريدها أن تعمل فيه مجددًا (مثلًا، كل يوم في الساعة 7 صباحًا).
  5. التسمية والإشعارات: أعطِ كل قاعدة اسمًا واضحًا (مثال: “إيقاف الحملات ليلًا”، “تشغيل الحملات صباحًا”). يمكنك أيضًا تفعيل الإشعارات عبر البريد الإلكتروني لتكون على علم دائمًا عند تنفيذ القاعدة.
  6. المراجعة والتفعيل: راجع إعداداتك جيدًا ثم اضغط “إنشاء” (Create) أو “تفعيل” (Enable). الآن، مساعدك الآلي جاهز للعمل.

خطوتك التالية: من النظرية إلى التطبيق

إن جدولة التسليم ليست مجرد ميزة تقنية، بل هي عقلية استراتيجية. إنها تحولك من معلن سلبي يأمل في تحقيق النتائج، إلى قائد يتحكم بزمام الأمور ويوجه ميزانيته بدقة الجرّاح.

لا تترك هذا المقال مجرد معلومات نظرية. اذهب الآن إلى مدير إعلاناتك. افتح تقارير الأداء وقم بتصفيتها حسب “اليوم” و”الساعة”. حدد أكثر الساعات ربحية وأقلها أداءً. ثم، ابدأ بتجربة بسيطة: أنشئ قاعدة تلقائية لإيقاف حملاتك خلال أسوأ 3 ساعات أداءً في اليوم. راقب النتائج بعد بضعة أيام. ستتفاجأ كيف يمكن لهذا التعديل الصغير أن يحدث فرقًا كبيرًا في عائدك على الاستثمار. ابدأ اليوم، واجعل كل دقيقة وكل ريال في حملتك الإعلانية يعمل لصالحك.

اترك أول تعليق