النصف الأول من عام 2025 لم يأتِ عابرًا في عالم التسويق الرقمي، بل حمل معه تحولات واضحة تستحق التوقف عندها، خصوصًا مع تصاعد الإنفاق، وتبدّل سلوك المستهلكين، واشتداد المنافسة على منصات التواصل.

التقارير الحديثة، وعلى رأسها تقرير WARC، تشير إلى أن الإنفاق على الإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد ارتفع بنسبة 12% عالميًا، وهو رقم لا يُستهان به في ظل التحديات الاقتصادية التي يمر بها العالم.

فما الذي يدفع هذا السوق للنمو رغم كل شيء؟

دعونا نبدأ من الجمهور نفسه.

جيل زد يعيد ترتيب أولوياته الرقمية

حين يتغير سلوك الجمهور، يجب أن تتغير الاستراتيجيات كذلك.

في 2025، أصبح 41% من جيل زد يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر أول للمعلومة — متفوقين على محركات البحث التقليدية التي انخفضت إلى 32%، وعلى أدوات الذكاء الاصطناعي التي نالت فقط 11% من الاعتماد.

هذا التحوّل يعني شيئًا واحدًا:

إذا لم تكن علامتك حاضرة بقوة في المشهد الاجتماعي، فأنت تغيب عن وعي جمهورك المستهدف تمامًا.

ولذلك، ليس غريبًا أن 59% من المسوقين باتوا يخططون لزيادة تعاونهم مع المؤثرين مقارنة بعام 2024.

فـ 76% من المستخدمين يقولون إن المحتوى الاجتماعي أثّر على قراراتهم الشرائية، وترتفع النسبة إلى 90% بين جيل زد، وفقًا لتحليل نشرته Social Media Today.

المؤثرون: خيار استراتيجي لا تكميلي

في وقت قريب، كان البعض يعتبر التسويق عبر المؤثرين مجرد “زينة” للحملات.

لكن الأرقام اليوم تغيّر هذا التصور بالكامل.

فحين ترى أن معظم قرارات الشراء لدى شريحة الشباب باتت تتأثر بما يرونه على تيك توك أو إنستغرام، يصبح التعامل مع المؤثرين جزءًا من بنية الإستراتيجية التسويقية لا خيارًا ترفيهيًا.

من جهة أخرى، لا بد من التعامل مع هذا النوع من الشراكات بحذر واحتراف، لأن الجمهور بات أكثر وعيًا وانتقائية، ولا يرحم الحملات المفتعلة أو غير الأصيلة.

الذكاء الاصطناعي يدخل ساحة الاستثمار بقوة

رغم المخاوف المستمرة حول أتمتة الإبداع وتحييد العنصر البشري، يظل الذكاء الاصطناعي أحد أهم أدوات التسويق في 2025.

71% من المسوقين يخططون لاستثمار لا يقل عن 10 ملايين دولار في تقنيات الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاث المقبلة، بحسب نفس التقرير.

هذا الحماس مدعوم بزيادة ملحوظة في تفاؤل المديرين التنفيذيين للتسويق بنسبة 5% مقارنة بالعام الماضي، ما يشير إلى أن الرؤية المستقبلية للتسويق أكثر إشراقًا مما تبدو عليه العناوين الاقتصادية.

ولكن، كما هي الحال دائمًا، تبقى الجودة والتميّز هما الفاصل الحقيقي في النتائج.

فالذكاء الاصطناعي لا يصنع استراتيجية ناجحة وحده، بل يعزز أداء فريق يعرف ما يفعله.

التحديات الاقتصادية… بين الضروريات والتأجيل

رغم النمو، لا يغيب عن المشهد بُعد مهم:

42% من المستهلكين في 2025 أجّلوا عمليات الشراء الكبرى، وهو ما يعني أن التسويق لا ينبغي أن يضغط فقط على قرارات الشراء، بل يحتاج إلى بناء الثقة والتبرير والتدرّج في تقديم القيمة.

في المقابل، لا تزال القدرة على شراء الأساسيات مرتفعة، ما يسمح للمسوقين ببناء علاقة أولية من خلال منتجات الدخول أو الخدمات المجانية أو التجريبية.

ميزانيات الإعلان: أين تذهب؟

الإعلان المدفوع لا يزال لاعبًا أساسيًا، حيث يشكّل 30.6% من ميزانيات التسويق، فيما تُخصص 7.7% من إيرادات الشركات للأنشطة التسويقية عمومًا.

وهذه الأرقام تعني شيئًا واضحًا:

أن الشركات لا تزال ترى في التسويق الرقمي محركًا رئيسيًا للنمو، بشرط أن يُدار باحتراف ويُراقب بدقة.

خلاصة: ملامح السوق في منتصف الطريق

في ظل هذه المؤشرات، يمكننا تلخيص أهم ملامح التسويق الرقمي في 2025:

  • الجمهور تغيّر… خصوصًا الجيل الجديد.
  • المؤثرون أكثر تأثيرًا من أي وقت مضى.
  • الذكاء الاصطناعي لم يعد رفاهية، بل أولوية استثمار.
  • التحديات الاقتصادية تطالب بخطط ذكية لا حملات عشوائية.
  • وسائل التواصل أصبحت محركًا للقرار لا مجرد أداة نشر.

من هنا، فإن أي استراتيجية تسويقية في النصف الثاني من العام لا تراعي هذه التحولات، ستجد نفسها خارج المنافسة دون أن تشعر.

المصدر: Digital marketing statistics of 2025: H1 by the numbers

اترك تعليقك