في عالم المال والأعمال، الأرقام لا تعني شيئًا دون سياق.

وأسوأ ما يمكن أن يقع فيه صاحب مشروع، أن يخلط بين ثلاثة مفاهيم متداخلة ظاهريًا، لكنها مختلفة جذريًا من حيث الوظيفة والهدف والنتائج:

  • ميزانية المشروع
  • الميزانية التسويقية
  • ميزانية فريق التسويق

الخلط بين هذه الثلاثة لا يؤدي فقط إلى قرارات مالية غير رشيدة، بل غالبًا ما ينتج عنه توقعات غير واقعية، وحملات فاشلة، وأحيانًا تصوّرات خاطئة عن أداء المسوّقين أو فرق العمل.

لذا، دعنا نبدأ من البداية.

أولًا: ما المقصود بـ ميزانية المشروع؟

هي المظلة الكبرى التي تشمل جميع التكاليف اللازمة لتشغيل المشروع أو الشركة.

من إيجارات ورواتب وبنية تحتية ومخزون وتشغيل وتسويق وتطوير تقني وغيره.

أي أن التسويق، كوظيفة، مجرد بند من هذه الميزانية.

مثال توضيحي:

إذا كنت تدير متجرًا إلكترونيًا لبيع العطور، وميزانيتك السنوية 2 مليون ريال، فهذا الرقم يشمل:

تكلفة المنتجات، التشغيل، الشحن، الرواتب، تطوير الموقع، الحملات التسويقية… إلخ.

ثانيًا: ما هي الميزانية التسويقية؟

الميزانية التسويقية هي الجزء المُخصص داخل ميزانية المشروع، لتنفيذ الأهداف التسويقية.

تشمل هذه الميزانية:

  • الحملات الإعلانية
  • إنتاج المحتوى
  • التسويق عبر المؤثرين
  • إدارة الحسابات الاجتماعية
  • الاشتراكات في أدوات التسويق
  • تحليل الأداء

والنقطة المهمة هنا:

ليست كل الميزانية التسويقية تذهب إلى الإعلانات.

لكن: كم يجب أن تُخصص؟

بحسب تقرير Gartner لعام 2025، فإن متوسط الميزانية التسويقية في الشركات المستقرة هو 7.7% من الإيرادات، وهي نفس النسبة تقريبًا منذ 2024.

بينما تشير بيانات CMO Survey إلى أن هذه النسبة كانت في حدود 9.5–10.1% بين عامي 2022 و2023، لكنها انخفضت لاحقًا.

أما في الشركات الناشئة، فالوضع مختلف: غالبًا تُخصّص نسبة أكبر بكثير من التمويل، خصوصًا في المراحل الأولى، وقد تتراوح بين 20% إلى 30% من رأس المال – وهي أرقام منطقية عند التركيز على النمو.

ثالثًا: ما هي ميزانية فريق التسويق؟

هنا تقع أغلب حالات الخلط!

ميزانية فريق التسويق هي المبلغ المخصص لتكاليف الأشخاص القائمين على تنفيذ أنشطة التسويق:

  • رواتب المسوّقين
  • أتعاب الوكالات أو المستقلين
  • التدريب والتطوير
  • التكاليف الإدارية لفريق التسويق

أي أنها جزء من الميزانية التسويقية، وليست بندًا مستقلًا بذاته.

مثال:

لو خصصت 200 ألف ريال للحملات التسويقية، وقررت توظيف مدير تسويق براتب شهري 15,000 ريال، فأنت تتحدث عن 180,000 ريال سنويًا للفريق فقط، أي ما يعادل 90% من ميزانيتك التسويقية!

وفي هذه الحالة، لا يبقى شيء يُذكر للحملات نفسها.

لماذا يختلط الأمر على الكثيرين؟

لأن التسويق يُنظر إليه غالبًا كـ “صندوق أسود” يصعب قياسه.

فيظن البعض أن التعاقد مع مسوّق بـ 10,000 ريال يعني أن الحملات قادمة ضمن هذا الرقم، وهذا غير واقعي.

المسوّق ليس هو الميزانية، بل هو من يُديرها.

كيف توزّع الميزانيات بشكل متوازن؟

ليس هناك رقم سحري يناسب الجميع، لكن يمكن البناء على قواعد عملية:

  • خصص نسبة مبدئية من ميزانية المشروع للتسويق (مثلاً: 10–15%)
  • من هذه النسبة، حدد كم منها يذهب لفريق التسويق، وكم للحملات والمنصات والمحتوى
  • في المشاريع الصغيرة: احرص على أن تكون أغلب الميزانية للتنفيذ لا للرواتب
  • في المشاريع الناضجة: يمكن الاستثمار أكثر في الفريق وبناء الأصول التسويقية طويلة المدى

تذكر: ليس الهدف أن يكون لديك فريق تسويق “كبير”، بل أن يكون عندك تسويق فعّال، يُحقّق عائدًا واضحًا على ما تدفعه.

وأخيرًا: لا تقع في هذا الفخ…

من أكثر الأخطاء شيوعًا أن يقول صاحب المشروع:

“خصصت 50 ألف ريال للتسويق”

ثم يتوقع أن تغطّي هذا الرقم:

  • أتعاب المسوّق
  • ميزانية الإعلانات
  • إنتاج فيديوهات
  • إدارة حسابات
  • التسويق بالمؤثرين

هذا مستحيل.

ليس لأنه رقم صغير، بل لأن الحساب من البداية غير دقيق، والتوقعات غير منطقية.

ابدأ دائمًا من هيكل الميزانية نفسه، قبل أن تفكّر في الأهداف، لأن من يخطئ في البناء… لا يصلح أي سقف يُقام فوقه.

الخلاصة:

  • ميزانية المشروع = تشمل كل شيء
  • الميزانية التسويقية = بند داخل ميزانية المشروع
  • ميزانية فريق التسويق = جزء من الميزانية التسويقية
  • لا تخلط بين بند التنفيذ وبند الإدارة
  • لا تفترض أن المسوّق مسؤول عن تمويل حملتك
  • لا تبنِ أهدافًا تسويقية دون معرفة إمكانياتك بدقة

اترك تعليقك