في بدايات التعاون بين المشروع والمسوّق، تسود غالبًا حالة من التفاؤل. أحاديث الخطط، والأهداف، وتوقعات العوائد تجعل العلاقة تبدو واعدة. لكن مثل أي علاقة عمل، قد يأتي وقت يصبح فيه الاستمرار مكلفًا أكثر من الانفصال.
فمتى يجب أن تتخذ القرار الصعب وتُنهي العلاقة مع المسوّق؟
ليس عندما “تشعر” بذلك، بل عندما تتكشّف أمامك علامات حمراء حقيقية تشير إلى خلل عميق لا يبدو أنه قابل للإصلاح.
في هذا المقال، نرصد أهم هذه العلامات، ونحلل ما وراءها، ونسند ذلك بما يبرّره من منطق السوق والتجربة الواقعية.
وعود لا تتحقق… مرارًا
من الطبيعي أن تختلف التوقعات عن النتائج. لكن إن كانت الوعود دائمًا أكبر من الواقع، وبلا تفسير منطقي أو خطة تصحيحية واضحة، فهذه علامة خطرة.
المسوّق الجيد لا يعدك بعوائد سحرية، بل يضع أهدافًا واقعية ويقيس الأداء ضدها. وقد أشارت تقارير من شركات متخصصة في تحليل العلاقة بين العملاء والوكالات التسويقية، مثل Setup، إلى أن أحد أبرز أسباب إنهاء العقود هو “عدم الوفاء بالنتائج المتوقعة، أو غياب الشفافية في تفسير الأداء”.
مثال: إن وعدك المسوّق بالحصول على 10 آلاف زيارة خلال أول شهر من الحملة، ثم جاءك 1200، وسألت عن السبب، فكان الرد: “الناس ما تفاعلوا”… فهذه ليست إجابة بل تهرّب.
2. غياب التقارير أو غموضها
التسويق اليوم لا يقوم على الانطباع، بل على البيانات. فإذا كان المسوّق يتأخر في إرسال التقارير، أو يكتفي بإجماليات مبهمة مثل “الحملة ماشية تمام”، أو لا يربط بين الأرقام والقرارات، فأنت لا تملك رؤية حقيقية عمّا يجري.
وقد أظهرت دراسة من شركة Gartner أن أكثر من نصف قادة التسويق لا يثقون تمامًا في نتائج تحليلات التسويق، ويرجع ذلك إلى ضعف جودة البيانات، وغموض النتائج، وغياب التوصيات القابلة للتنفيذ. هذه الفجوة التحليلية تجعل من الصعب على الشركات اتخاذ قرارات فعّالة، وتؤدي إلى تقويض الثقة بين المشروع والمسوّق.
مثال: إذا كنت تطلب تقريرًا شهريًا، وتتلقى ملفًا من ثلاث شرائح فيه أرقام عامة دون تفسير أو ربط بالأداء الحقيقي، فالمشكلة ليست في غياب البيانات، بل في غياب التحليل الذي يمكن أن تعتمد عليه.
3. دفاع دائم بدلًا من النقاش
حين يصبح كل نقد “هجومًا”، وكل ملاحظة “تشكيكًا”، فتوقّع أن العلاقة وصلت لطريق مسدود. المسوّق المحترف يستقبل النقد، ويفصله عن العاطفة، ويحوّله إلى فرصة لفهم السوق بشكل أعمق.
مثال:إذا أخبرت المسوّق أن التفاعل ضعيف رغم كثافة المحتوى، فأول رد لا يجب أن يكون: “أنتم ما تشاركون المنشورات!” بل يجب أن يبحث عن السبب من جهة استراتيجيات النشر، الزوايا المستعملة، أو طبيعة الجمهور.
4. غياب المبادرة والتطوير
إذا أصبح المسوّق ينتظر تعليماتك بدل أن يبادر، أو يكرّر نفس الأنشطة دون أي تعديل، فالعلاقة فقدت روحها.
التسويق ليس تنفيذًا فقط، بل تفكير مستمر وتجريب وتحسين. وقد تلاحظ هذا الجمود تحديدًا في العقود طويلة الأجل، حين يفتر الحماس، ويكتفي الطرف الآخر بالحد الأدنى من العمل.
نصيحة:لاحظ عدد المرات التي فاجأك فيها المسوّق باقتراح جديد. إن كانت “صفرًا” خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، فربما حان وقت المراجعة.
5. تجاهل سياقك التجاري
المسوّق ليس موظفًا لدى عدة عملاء فقط، بل يعمل مع بيئات مختلفة. لكن إن شعرت أنه لا يفهم السياق الذي تعمل فيه — سواء طبيعة المنافسة، أو مزاج الجمهور، أو طبيعة منتجاتك — فهذا قصور لا يُغتفر.
في كثير من الحالات، ترى محتوى مسوّقين يُشبه إلى حد بعيد ما يستخدمه عملاؤهم الآخرون، رغم اختلاف المجالات. هنا يصبح المسوّق نسخة مكررة من نفسه، لا قيمة مضافة لمشروعك.
مثال:إذا كنت تبيع منتجًا يحتاج إلى شرح فني، ووجدت أن المحتوى كله عاطفي وسطحي، فهذه علامة على أنه لم يبذل جهدًا لفهم منتجك أصلًا.
6. أخطاء مكررة تُسيء للعلامة
الأخطاء واردة. لكن الأخطاء التي تسيء لصورة المشروع وتكرّر نفسها — كالإعلانات التي تخالف توجه العلامة، أو المنشورات التي تستخدم لهجة لا تليق بجمهورك — تكشف عن خلل عميق في الانضباط أو الفهم.
وقد لا تكون المشكلة في الخطأ نفسه، بل في غياب رد الفعل الجاد تجاهه.
انتبه:إذا صار تصحيح الأخطاء جزءًا معتادًا من يومياتك مع المسوّق، فاسأل نفسك: لماذا أستمر؟
ماذا تفعل إن ظهرت هذه العلامات؟
لا يعني ظهور واحدة من هذه العلامات أنك يجب أن تنهي العلاقة فورًا. لكن إن تكرّرت أكثر من مرة، أو اجتمعت عدة منها، ولم تجد رغبة حقيقية في المعالجة، فهنا القرار لا يعود صعبًا، بل ضروريًا.
لكن قبل الإنهاء، تأكد أنك فعلت التالي:
- وضّحت ملاحظاتك بوضوح وفي الوقت المناسب
- منحت فرصة للتعديل وفق إطار زمني واضح
- راجعت أداءك أنت كمشروع، من حيث توفير المعلومات والتفاعل
فإن فعلت ذلك كله، ولا تزال العلامات تظهر، فقد آن الأوان لطيّ الصفحة.
الخلاصة
العلاقة بين المسوّق والمشروع ليست مجرد عقد عمل، بل شراكة في الرؤية والنتائج. وكل شراكة إما أن تبني وتضيف، أو تُرهق وتستنزف.
والأذكى ليس من يختار مسوّقًا ممتازًا فقط، بل من يعرف متى يتخذ قرار الانفصال، حين تتحول العلاقة من محرّك للنمو إلى عائق خفي.
اقرأ أيضًا:
- هل تحتاج إلى مسوّق إلكتروني؟ إليك كل ما يجب أن تعرفه قبل أن تدفع ريالًا واحدًا
- ماذا تفعل عندما ترفضك الشركات لأنهم وجدوا <<أرخص منك>>؟
- متى يكون التعاون مع مسوّق مستقل هو الخيار الأمثل لعملك؟
- المسوّق أم المشروع؟ أين تقع المشكلة الحقيقية عندما تفشل الحملة التسويقية؟
- قبل التعاون مع مسوّق: 6 أخطاء شائعة تُفسد العلاقة وتفشل العمل من البداية
- لاختيار المسوّق المناسب، افهم مشروعك أولًا!