في الغالب، يُنظر إلى ارتفاع معدل التكرار (Frequency) في الإعلانات المدفوعة على أنه علامة إنذار مبكر. فعندما يرى المستخدم نفس الإعلان مرارًا وتكرارًا دون أن يتفاعل، يتبادر إلى الذهن مباشرة احتمال “الاحتراق الإعلاني” أو الملل أو حتى الانزعاج، وهو ما قد ينعكس سلبيًا على أداء الحملة وكفاءتها.
لكن هل هذا دائمًا صحيح؟ هل هناك حالات يكون فيها ارتفاع معدل التكرار هدفًا استراتيجيًا لا تهديدًا؟ الجواب: نعم.
في هذا المقال، نعرض حالة عملية شائعة في عالم التسويق الرقمي، وتحديدًا في سياق حملات إعادة الاستهداف (Retargeting)، حيث يمكن أن يكون ارتفاع معدل التكرار مقصودًا، بل ومرغوبًا فيه.
بداية: ما هو معدل التكرار؟
معدل التكرار هو مقياس يُظهر عدد المرات التي يرى فيها المستخدم الواحد إعلانك خلال فترة زمنية معينة. فإذا كانت الحملة وصلت إلى 50,000 شخص، وكان عدد مرات الظهور (Impressions) 150,000، فإن معدل التكرار = 3 مرات لكل شخص.
بشكل عام، يُنصح بالحفاظ على معدل تكرار معتدل (مثلاً: 1.5 إلى 3) في الحملات العامة، حتى لا يتحول الإعلان إلى عبء بصري يفقد فعاليته. ولكن القاعدة لا تنطبق بنفس الحدة على كل الحالات.
الحالة الاستثنائية: إعادة الاستهداف بجمهور صغير
في أحد سيناريوهات العمل الواقعية، عندما كنت أعمل على حملة إعادة استهداف (Retargeting) موجهة لجمهور محدود يتراوح بين 30 إلى 60 ألف شخص، كنت أعمد عمدًا إلى رفع معدل التكرار إلى أقصى ما يمكن. لماذا؟
لأن الهدف في هذه الحالة ليس مجرد الوصول، بل الضغط النفسي الإيجابي (Positive Pressure)، أي أن يرى المستخدم الإعلان مرارًا، فيتذكر المنتج أو العرض، ويتفاعل معه في النهاية.
بمعنى آخر، التكرار هنا ليس عرضًا جانبيًا للحملة، بل هو جزء أساسي من استراتيجيتها.
متى أتوقف عن عرض الإعلان لهذا المستخدم؟
هنا تكمن الحيلة: لا أترك الأمر مفتوحًا. بل أضع “قانون استبعاد” (Exclusion Rule) واضحًا، مفاده أن أي مستخدم يُكمل الإجراء المطلوب (سواء كان شراءًا، تسجيلًا، أو تعبئة نموذج) يتم استبعاده تلقائيًا من الحملة.
وهذا يعني أن المستخدمين الذين لم يتخذوا الإجراء يظلون يرون الإعلان مرات عديدة، بينما من استجاب للحملة يُرفع عنه الضغط مباشرة.
هذا النمط يجعل التكرار أداة فعالة بدلًا من أن تكون سلبية.
الأدلة من السوق: ماذا تقول الأبحاث؟
بحسب تقرير من Databox كشف أن حوالي 40% من محترفي التسويق يتجهون إلى معدل تكرار أسبوعي بين 5 و10 مرات في حملات إعادة الاستهداف عند التعامل مع جماهير صغيرة.
كما تشير دراسة من Fabric أن حملات إعادة الاستهداف قد تستفيد من تكرار يتراوح بين 5 إلى 9 مرات لدفع المستخدم نحو القرار النهائي.
مثال افتراضي لتوضيح الفكرة
تخيل أنك تطلق حملة لإعادة استهداف جمهور قام بزيارة صفحة منتج معين لكنه لم يكمل الشراء. جمهورك هنا لا يتعدى 50,000 مستخدم.
تقوم بإعداد إعلان جذاب يظهر لهم عبر فيسبوك وإنستغرام، وترفع الحد الأقصى للتكرار إلى 10 مرات خلال 5 أيام.
تراقب الأداء، وتلاحظ أن نسبة كبيرة من التحويلات تحدث بعد المرة الرابعة أو الخامسة من الظهور.
تضع قاعدة بسيطة: “من أتم الشراء، يُستبعد من الحملة فورًا”، فتضمن أن كل من بقي في الحملة هو شخص لم يتفاعل بعد.
النتيجة؟ ارتفاع في معدل التكرار، لكن أيضًا ارتفاع في التحويل، وانخفاض في تكلفة الاكتساب.
الخلاصة: لا تخشَ التكرار حين يكون مقصودًا
في التسويق، القواعد مهمة، لكن فهم السياق أهم. ارتفاع معدل التكرار ليس مشكلة بحد ذاته، بل يعتمد على نوع الحملة، وحجم الجمهور، ووجود آلية استبعاد فعالة.
في حملات إعادة الاستهداف ذات الجماهير المحدودة، التكرار أداة ضغط ذكية، وليست خطرًا يجب تجنّبه.
فقط تأكد من أنك تتحكم في من يرى الإعلان ومتى يتوقف عن رؤيته، عندها يصبح التكرار حليفًا لا عدوًا.