في سوقٍ سريع التحوّل، مليء بالتجارب القصيرة والتحولات المفاجئة، كثيرًا ما تجد الشركات الصغيرة والناشئة نفسها أمام سؤال محوري:
هل أحتاج إلى توظيف مسوّق بدوام كامل؟ أم يكفي التعاقد مع مسوّق حر (Freelancer)؟
الجواب ليس بسيطًا، لكنه واضح لمن يملك تصورًا دقيقًا عن طبيعة احتياجاته.
حين تكون الحاجة مؤقتة
إذا كانت طبيعة عملك تعتمد على مشاريع موسمية أو حملات تسويقية قصيرة الأجل، فالتعاون مع مسوّق حر قد يكون هو القرار الأكثر عقلانية. فبدل أن توظّف خبيرًا بدوام كامل – مع ما يتبع ذلك من التزامات مالية وإدارية – يمكنك الوصول إلى نفس المستوى من الاحترافية، بل وأعلى أحيانًا، عبر متخصّص يعمل معك بالقطعة أو على مشروع محدد.
كمثال: متجر / شركة ناشئة بصدد إطلاق منتج جديد، وتحتاج إلى خطة تسويق مكثفة لمدة شهرين. في مثل هذه الحالة، استقدام مسوّق حر يملك الخبرة السابقة والكافية في صناعتك أو سبق أن عمل على مثل منتجك يمكن أن يسرّع النتائج ويوفّر كثيرًا من النفقات.
ميزانية مرنة، لكن نتائج حقيقية
غالبًا ما تكون الميزانية هي العائق الأول أمام التوظيف الكامل. لكن المفارقة أن العمل مع مسوّق حر يتيح لك التحكم في الإنفاق دون التضحية بالجودة. فبدلاً من راتب شهري ثابت، تدفع مقابل ما يُنجز فقط: خطة إعلانية، تحسين صفحات الهبوط، إدارة حملة، إلخ.
وهذا ما تؤكده البيانات الحديثة؛ إذ أظهر تقرير Freelance Forward 2023 من منصة Upwork أن عدد المستقلين في الولايات المتحدة تجاوز 64 مليون شخص، وأسهموا بأكثر من 1.2 تريليون دولار في الاقتصاد. وأشار التقرير أيضًا إلى أن نسبة كبيرة من المستقلين يعملون في مجالات معرفية عالية مثل التسويق والاستشارات، ما يعكس اعتماد الشركات – خاصة الصغيرة – على هذا النموذج لما يوفره من مرونة وتحكم بالتكاليف دون المساس بجودة النتائج
العمل في أسواق مُتقلبة
الطلب في السوق لا يسير دائمًا على وتيرة واحدة. هناك أشهر ذروة، وأخرى تمرّ بهدوء. لذلك فإن الاستعانة بمسوّق حر يمنحك مرونة عالية في التوسع أو التوقف بحسب ظروف العمل، دون الحاجة إلى اتخاذ قرارات صعبة تتعلق بتقليص الفريق أو إنهاء العقود.
بلغة الأرقام: بدل أن تتحمّل تكلفة موظف تسويق شهريًا (بمتوسط 8,000–12,000 ريال للخبرات المتوسطة)، يمكنك التعاقد مع مسوّق مستقل على أساس المشروع، بما يتناسب مع ميزانيتك في لحظة معينة.
الرغبة في سرعة التنفيذ وتجنّب دوّامة الإجراءات
واحدة من الميزات الخفية – لكن المؤثرة – في العمل مع المسوقين الأحرار، هي سرعة التنفيذ. فبسبب غياب الطبقات الإدارية، واتساع هامش الاستقلالية، يستطيع المسوّق الحر أن يبدأ فورًا، ويُنجز بسرعة، مقارنةً بفرق التسويق التقليدية التي ترتبط غالبًا بسلاسل اتخاذ قرار طويلة.
لنأخذ مثالًا للتقريب: شركة لاحظت تراجعًا في مبيعات منتج معين على متجرها الإلكتروني. بدلًا من المرور بدورة مراجعة داخلية ثم عقد اجتماع ثم إعداد حملة جديدة، استعانت بمسوّق حر أعدّ حملة إعادة استهداف في أقل من 48 ساعة، مما أعاد المبيعات إلى المسار المطلوب.
الحاجة لأفكار من خارج الصندوق، دون عبء داخلي
الميزة التي لا تقدّر بثمن: وجهة نظر جديدة.
عندما تعمل مع مستقلين، فإنك غالبًا ما تتعامل مع شخصٍ يتنقّل بين صناعات ومشاريع وأسواق مختلفة، وهذا ينعكس على طريقة تفكيره. أفكاره غير محكومة بثقافة شركتك الداخلية، بل تنبع من تجربة واسعة. وهذا ما تحتاجه أحيانًا:
عين خارجية ترى ما لا يراه من اعتاد الجدران الأربعة.
لكن… متى لا يكون الخيار مناسبًا؟
رغم كل ما سبق، لا ينبغي أن يُفهم أن المسوّق الحر هو الحل السحري في كل الأحوال.
فإذا كنت تبحث عن شخص يتملك الاستراتيجية طويلة الأجل، ويقود الفريق، ويكون جزءًا من صناعة القرارات، ويرتبط بجوانب متعددة من نشاطك (العلامة التجارية، تجربة العميل، المبيعات، العلاقات العامة…)، فإن الحل الأفضل يكون غالبًا في التوظيف الدائم أو بناء فريق داخلي.
خلاصة القول
التعاون مع مسوّق حر ليس مجرّد خيار مؤقت، بل أداة استراتيجية يمكنك الاستفادة منها في التوقيت والمجال المناسبين. إذا أحسنت اختيار الشخص المناسب، وحددت احتياجاتك بدقة، فستحصل على نتائج قوية دون أن تتورّط في أعباء إدارية أو مالية لا ضرورة لها.
في عالم يتحرّك بسرعة، ربما لا تحتاج إلى توسعة فريقك… بل فقط إلى الشخص المناسب، في الوقت المناسب، لإنجاز المهمة بدقة.
اقرأ أيضًا:
- هل تحتاج إلى مسوّق إلكتروني؟ إليك كل ما يجب أن تعرفه قبل أن تدفع ريالًا واحدًا
- تخرّجتَ حديثًا في التسويق ولا تعرف من أين تبدأ؟ هذه المقالة همسة لطيفة في أذنك
- المسوّق أم المشروع؟ أين تقع المشكلة الحقيقية عندما تفشل الحملة التسويقية؟
- قبل التعاون مع مسوّق: 6 أخطاء شائعة تُفسد العلاقة وتفشل العمل من البداية
- لاختيار المسوّق المناسب، افهم مشروعك أولًا!