لنفترض أنك أطلقت نشاطًا جديدًا في السوق، أو حتى منتجًا داخل علامتك الحالية.

هل يكفي أن يكون منتجك ممتازًا؟ أو أن خدمتك تتحدث عن نفسها؟

للأسف، السوق لا يعمل بهذه الطريقة.

في كثير من الأحيان، تكون المشكلة ببساطة أن الناس لا يعرفونك.

وهنا تأتي أهمية حملات رفع الوعي.

لكن هذه الحملات ليست مجرد إعلان جذاب، أو فيديو سريع الانتشار، أو مؤثر يذكر اسمك مرة ثم يختفي. الأمر أعمق من ذلك.

رفع الوعي عملية مدروسة، تحتاج إلى خطة واضحة، تبدأ بفهم الجمهور وتنتهي بقياس الأثر. وفيما بينهما، هناك تفاصيل تصنع الفرق بين حملة تُذكر، وأخرى تُنسى بعد يومين.

دعنا نبدأ من الأساس.

ما المقصود برفع الوعي؟

عندما نتحدث عن رفع الوعي، فنحن لا نقصد البيع المباشر ولا حتى الإقناع، بل ببساطة: أن يعرفك جمهورك، أن يسمع باسمك، أن يربط بينك وبين مجال معين، أن يبدأ في تذكّرك كلما واجه مشكلة أنت قادر على حلّها.

أحد تقارير Nielsen العالمية يشير إلى أن المستهلك يحتاج إلى أن يرى العلامة التجارية عدة مرات، قد تصل إلى سبع، قبل أن يبدأ في الثقة بها أو التفكير بالتعامل معها. هذا وحده كافٍ لنعرف أن الحضور في الذهن لا يحدث صدفة، بل يُصنع عمدًا.

اقرأ أيضًا: عندما نقول “حملة وعي”… هل يعرف العميل حقًا ما نقصد؟

نقطة البداية: فهم الجمهور

أكثر الأخطاء شيوعًا أن تبدأ العلامة التجارية حملتها برؤية داخلية بحتة: “نحن نريد أن يعرفونا”. لكن رفع الوعي لا يبدأ منّا، بل منهم.

لكي تصل رسالتك، يجب أن تعرف أولًا من هو هذا الجمهور. لا يكفي أن تصفه بالعمر أو النوع أو الموقع الجغرافي. ما تحتاجه فعلًا هو فهم اهتماماته، طريقة تفكيره، مشكلاته اليومية، اللغة التي يستعملها، وحتى ما يضحكه أو يُغضبه.

تخيل أنك تروّج لخدمة برمجية لإدارة شؤون الموظفين. الجمهور ليس “كل الشركات”، بل غالبًا هو المدير التنفيذي المشغول، أو مدير الموارد البشرية الذي يعاني من الجداول المبعثرة. هذا هو من يجب أن تفكر فيه وأنت تكتب الرسالة، تختار القناة، وتحدد التوقيت.

يمكنك الوصول لهذه الصورة من خلال أدوات مثل Google Trends، أو الاستماع الاجتماعي، أو حتى إجراء مقابلات قصيرة مع بعض عملائك الحاليين إن توفروا.

اقرأ أيضًا: حملات الوعي ليست للجميع… وهذا ليس رأيًا، بل أساس تسويقي

حدد الهدف… ثم أعد التفكير فيه

كثيرون يظنون أن هدف حملة رفع الوعي هو “انتشار الاسم”. لكن هذا الهدف فضفاض ولا يُقاس. الهدف الحقيقي يجب أن يكون أكثر دقة، مثل أن تزيد نسبة من يعرفون اسم علامتك في السوق المستهدف، أو أن تربط بين اسمك ومشكلة محددة، أو حتى أن تغيّر تصورًا سابقًا عن منتجك.

مثال على ذلك: حين بدأت إحدى شركات التقنية الترويج لخدمة التخزين السحابي، لم تكن المنافسة على السعر ولا السرعة، بل على الأمان. كانت رسالتها “ملفّاتك بأمان معنا”، وهدفت فقط إلى تغيير الانطباع بأن السحابة تعني تعريض البيانات للخطر. نجحت الحملة لأنها كانت واضحة، مركزة، وقابلة للقياس.

الرسالة: بسيطة، مباشرة، وقابلة للتذكّر

هنا تأتي النقطة التي تفرّق بين حملة ترفع الوعي فعلًا، وأخرى تضيّع المال.

رسالتك يجب أن تكون قصيرة، سهلة الفهم، تُقال في جملة واحدة دون الحاجة لشرح. ويفضّل أن تُصاغ بلغة الجمهور نفسه لا بلغة التسويق التقليدية. لا تقل “حلول رقمية متكاملة لتبسيط العمليات”، بل قل “كل طلبات عملاءك في شاشة وحدة”.

الرسالة الجيدة تجيب عن سؤال: لماذا يهتم العميل بهذه الخدمة الآن؟ إن لم تكن الرسالة قادرة على تحريك هذا السؤال، فهي بحاجة إلى مراجعة.

القناة المناسبة… ليست دائمًا الأكثر انتشارًا

منصات التواصل متاحة للجميع، لكن السؤال الأهم: أين يكون جمهورك فعلًا؟ وإن كان موجودًا، كيف يتصرّف؟

ربما جمهورك على إنستغرام، لكنه يمرّ بسرعة ولا يتفاعل إلا مع القصص. أو ربما جمهورك في لينكدإن، لكنه لا يثق في أي محتوى إعلاني، ويميل أكثر للمحتوى التثقيفي أو التوصيات من محترفين.

بعض الأنشطة التجارية تنجح جدًا في الظهور عبر الرعايات في المؤتمرات أو الندوات، أكثر من ظهورها على فيسبوك. والسر في ذلك ليس القناة، بل الثقة. الجمهور لا ينتبه كثيرًا للقنوات التي تُظهر الرسالة فقط، بل ينجذب لتلك التي يثق فيها أصلًا.

ما بعد الظهور: التجربة التي تترك الأثر

رفع الوعي ليس أن يعرفك الناس فقط، بل أن يتذكروك ويشعروا بشيء إيجابي تجاهك.

لذلك، كل نقطة تواصل في الحملة يجب أن تكون مصمّمة لتترك أثرًا.

ليس المقصود أن تبالغ في الإنتاج البصري، بل أن تخلق لحظة حقيقية، قريبة من الناس، تشعرهم أنك تفهمهم.

مثلًا، شركة صغيرة في مجال التدريب أطلقت سلسلة فيديوهات قصيرة تحكي فيها “أخطاء شائعة في المقابلات الشخصية”، بأسلوب واقعي وساخر قليلًا. الناس لم ينسوا هذه الحملة، ليس لأنها الأفضل إنتاجًا، بل لأنها تشبههم. الرسالة وصلت، والوعي تحقق، والانطباع بقي.

وهل يمكن قياس الوعي أصلًا؟

السؤال مشروع. كيف يمكن أن تقيس شيئًا غير ملموس مثل “الوعي”؟

لحسن الحظ، هناك مؤشرات وإن كانت غير مباشرة، لكنها دقيقة بما يكفي:

هل بدأ الناس يبحثون عن اسمك أكثر في جوجل؟ هل زادت الزيارات المباشرة إلى موقعك؟ هل زاد عدد متابعيك دون إعلانات مباشرة؟ هل بدأ جمهور جديد يُعلّق أو يتفاعل أو يشارك محتوًى يخصك؟

كلها إشارات على أن الحملة بدأت تترك أثرًا.

والأهم من القياس؟ أن تبني على النتائج.

ما الذي نجح؟ ما الذي لم يصل؟ ما الرسائل التي انتشرت أكثر؟ لا تكن جامدًا، بل عدّل، وكرّر، وطوّر.

اقرأ أيضًا: هل يمكن قياس مردود حملات الوعي؟ نعم، لكن بشروط

الخلاصة: الوعي ليس رفاهية… بل أساس كل شيء

إن لم يكن جمهورك يعرفك، فلن يثق بك. وإن لم يثق بك، فلن يشتري منك. ورفع الوعي هو الخطوة الأولى في هذه العلاقة.

إن بدأت بشكل سليم، وفهمت جمهورك، وصغت رسالتك بذكاء، واخترت القناة الأنسب، ثم قست وطوّرت، فأنت تبني حملة تُذكَر، لا تُنسى.

اترك أول تعليق