غالبًا لا نحتاج إلى مشهد درامي طويل كي تتكوَّن انطباعاتنا الأولى عن الناس. كذلك الحال تمامًا مع العملاء.
في عالم تتسارع فيه القرارات، وتُقاس فيه الثقة بالثواني، تصبح كل نقطة تماس بينك وبين العميل شاهدة إمّا لك أو عليك.
ليس مبالغة أن نقول إن العميل لا ينتظر كثيرًا حتى يصدر حكمه. قد تكون نظرة إلى تغليف منتج، أو مرور سريع على حسابك في “إنستغرام”، أو ربما تجربة بسيطة مع موظف الاستقبال في فرعك. كلها لحظات عابرة، لكنها ليست عابرة أبدًا في عقل العميل.
ما المقصود بـ “نقطة التماس” أصلًا؟
نقطة التماس (Touchpoint) هي أي لحظة يتفاعل فيها العميل مع نشاطك التجاري، سواء قبل الشراء، أو أثناءه، أو بعده.
هذه النقاط تبدأ من لحظة رؤية إعلان، وتمر عبر الموقع الإلكتروني، والبريد، وحسابات التواصل، وتصل إلى تجربة الدفع، أو حتى رسالة المتابعة بعد البيع.
كل نقطة من هذه ليست تفصيلًا جانبيًا، بل هي بمثابة مندوب مبيعات صامت، يتحدث نيابة عنك، يُروِّج لك… أو يُحذّر منك.
كل شيء يتحدث
لنأخذ مثالًا بسيطًا: تخيل أنك دخلت متجرًا إلكترونيًا لشراء ساعة يد. وجدت التصميم جذّابًا، لكن وصف المنتج مليء بالأخطاء الإملائية، والصور غير واضحة، وعملية الدفع فيها تعقيد.
رغم أنك لم تتحدث مع أحد، إلا أن كل شيء قال لك: “هذا المكان لا يستحق الثقة”. والنتيجة؟ تغادر دون تردد، وربما لا تعود أبدًا.
حسب تقرير صادر عن شركة PwC، فإن 32% من العملاء حول العالم يتوقفون عن التعامل مع شركة بعد تجربة سيئة واحدة، حتى لو كانوا راضين سابقًا عنها. هذه النسبة ترتفع في بعض الأسواق إلى أكثر من 50%.
حين تتحدث التفاصيل نيابة عنك
من الأخطاء التي تقع فيها بعض الأنشطة التجارية أن تظن أن النجاح مرهون بالحملات الإعلانية الكبيرة أو العروض القوية فقط.
لكن الحقيقة؟ كثير من العملاء يتخذون قراراتهم بناءً على أبسط التفاصيل: هل الرد على استفساراتهم سريع؟ هل التعبئة والتغليف أنيق؟ هل صوت المندوب عبر الهاتف واثق ومحترم؟ هل المنشورات في إنستغرام متسقة بصريًا وتعكس هوية واضحة؟
هذه التفاصيل تُبنى يومًا بعد يوم، لكنها تؤسس سمعة لا تُشترى بأموال.
التناسق: عامل حاسم
حين يشعر العميل أن هناك تناسقًا بين نبرة الصوت على تويتر، وبين أسلوب المحادثة عبر الواتساب، وبين تصميم الفواتير، وبين الواجهة في التطبيق… يتولد لديه انطباع بالاحترافية.
هذا ما يُسمى بـ Brand Consistencyأو الاتساق في العلامة التجارية. وقد ثبت في دراسة نشرتها شركة Lucidpressأن العلامات التجارية التي تحافظ على اتساق الهوية عبر جميع نقاط التماس تحقق زيادة في الإيرادات بنسبة تصل إلى 33%.
رسالة لكل صاحب نشاط
لا تنتظر حتى تقع في فخ التقييمات السلبية لتبدأ مراجعة نقاط التماس بينك وبين عملائك. خذ خطوة للوراء، وراقب: ماذا يرى العميل حين يدخل متجرك؟ ماذا يقرأ حين يتصفح حسابك؟ ماذا يسمع حين يتحدث معك؟
اسأل نفسك بصراحة: هل كل نقطة تماس تنطق بما تحب أن يُقال عنك؟ أم أن هناك نقاطًا تُنذر بالخطر دون أن تشعر؟
تذكر: أنت تبني الثقة أو تهدمها، ليس بالكلمات التي تقولها، بل بتلك التي تنطق بها التفاصيل نيابة عنك.
كيف تبدأ؟
- راجع جميع نقاط التماس بداية من قنوات التسويق حتى خدمة ما بعد البيع.
- اطلب رأي عميل حقيقي بصدق دون تجميل.
- استعن بجهة خارجية لمراقبة تجربة العميل من لحظة دخوله إلى لحظة خروجه.
- لا تقلل أبدًا من تأثير الصور، الألوان، النبرة، والردود في تشكيل الانطباع العام.
- اجعل الاتساق قيمة مركزية في كل ما تنشر وتقدم.
في النهاية، العميل لا يرى ما وراء الكواليس، ولا يهمه كم تعبت أو كم صرفت. ما يهمه هو ما يراه، ما يسمعه، وما يشعر به أثناء التفاعل معك.
وقد تكون كل هذه المشاعر، محصورة في ثوانٍ قليلة فقط.