من الأسئلة المتكررة:
هل تسعير المنتج بسعر عالٍ يعطي العميل انطباعًا بالقيمة العالية؟ أم يدفعه للهرب والبحث عن بديل أرخص؟
السؤال يبدو بسيطًا، لكن وراءه طبقات من الفهم تتعلق بالإدراك، والسوق، والسياق، والمنافسة.
السعر ليس الرقم… بل ما يعنيه
العميل لا ينظر إلى السعر كنقطة في الفراغ، بل يربطه دائمًا بما يتوقعه من فائدة. هل ما سأدفعه يستحق؟
وهذا جوهر نقطة التوازن بين السعر والقيمة.
فإذا كنت تقدّم خدمة أو منتجًا تستحق قيمته سعرًا عاليًا، لن يهرب العميل. بل على العكس، قد يشعر أنه حصل على صفقة ممتازة، لأنه وجد ما يبحث عنه بدقة، حتى وإن دفع أكثر من المتوسط.
المشكلة تبدأ حين لا تتطابق القيمة مع السعر.
وهنا لا يتعلق الأمر بعدم الشراء فقط، بل قد يتحول العميل إلى أداة سلبية في السوق: يحذّر غيره، ويشارك تجربته، وربما يشكك في مصداقيتك.
متى يُصبح السعر المرتفع قرارًا حكيمًا؟
هناك حالات واضحة يكون فيها التسعير المرتفع منطقيًا:
- حين تستهدف شريحة واعية، تعرف ماذا تريد، ومستعدة للدفع.
- حين تكون التجربة متكاملة: من التصميم إلى الخدمة إلى ما بعد البيع.
- حين تملك تفوقًا واضحًا في السوق، سواء بالحلول أو الأسلوب أو القيمة المضافة.
لكن حتى في هذه الحالات، يجب أن يكون السعر مدعومًا بأدلة على القيمة.
تجارب سابقة. تقييمات عملاء. دراسات مقارنة. وضوح في ما يحصل عليه العميل مقابل ما يدفعه.
ومتى يُصبح التسعير المرتفع انتحارًا؟
عندما يأتي القرار بناءً على نصيحة عابرة مثل: “ارفع سعرك عشان تبقى premium“دون أساس واضح.
أو حين يتم تقليد المنافسين دون فهم الفروق في البنية التشغيلية أو القيمة المقترحة.
أو حين يُفترض أن “الارتفاع = تميّز” بلا إثبات.
والنتيجة؟
ينفر العميل، لا لأن السعر مرتفع، بل لأن شيئًا ما لا يتطابق. السعر لا يتكئ على قيمة حقيقية. لا يوجد مبرر واضح. لا توجد قصة تسويقية تقنعه.
كيف تُقيّم القيمة التي تقدمها؟
ابدأ من الداخل. ما الذي تفعله بطريقة مختلفة فعليًا؟ ما النتيجة التي يحصل عليها عميلك؟ ما مدى تعقيد المشكلة التي تحلها؟
ثم انظر إلى السوق: كم يدفع العميل لحلول مشابهة؟ ما مستوى الخدمة بعد البيع؟ كم يوفر من الوقت أو الجهد أو المال باستخدامك؟
إن لم تجد إجابات دقيقة، فأعد النظر في تسعيرك.
القيمة لا تُفترض. القيمة تُبرهن.
مثال تطبيقي (افتراضي):
لنفترض أن لديك تطبيقًا لمتابعة الأداء المالي للمشروعات الصغيرة، وسعّرت اشتراكه الشهري بـ249 ريالًا.
لو كانت البدائل في السوق تتراوح بين 79 و129 ريالًا، فلا بأس.
لكن ما يجعل السعر مبررًا هو:
- هل تقدّم تقارير تفصيلية لم يسبق لها مثيل؟
- هل تدمج الحسابات البنكية تلقائيًا؟
- هل تساعد على اتخاذ قرارات واضحة بتوصيات ذكية؟
- هل لديك فريق دعم يرد خلال 5 دقائق؟
كل إجابة بـ”نعم”، ترفع من قيمة ما تقدّمه… وبالتالي ترفع من قابلية العميل لتقبّل السعر بل وربما يُدافع عنه.
الخلاصة: لا تسعّر من فراغ
إذا أردت أن تضع تسعيرًا أعلى من المعتاد، فافعل.
لكن افعله عن وعي حقيقي بالقيمة، وبخطة تسويقية توضّح هذه القيمة، وبنموذج خدمة يدعم السعر، لا يقوّضه.