تخيل أن شخصًا نشر صورة لحسابه الإعلاني وكتب في تعليقه:
“أنفقت 10 آلاف ريال، وحققت مبيعات بقيمة 50 ألف.
هل ترغب في تحقيق مثل هذه النتائج؟ تواصل معي فورًا!”
قد يبدو هذا العرض مغريًا. لغة الأرقام مبهرة، والصورة توحي بنجاح ساحق. لكن مهلاً… أين القصة الكاملة؟
هل هذه النتيجة وحدها كافية لتقييم أداء الحملة أو كفاءة المسوّق؟
وهل من الأخلاق التسويقية أن يُروّج لهذه الأرقام مجردة من السياق؟
ما وراء الأرقام: خدعة السطحية دون عمق
حين يُقدّم المسوّق نتائج مبنية على مؤشرات انتقائية، دون كشف السياق الكامل الذي أنتجها، فإنه لا يسوّق فقط، بل يُمارس تضليلًا ناعمًا.
قد لا يكون كذبًا صريحًا، لكنه يخلّ بأهم مبدأ في عالم الأعمال: الشفافية.
لنفكك هذا المثال:
شخص أطلق حملة بـ10 آلاف ريال، وحقق مبيعات بـ50 ألف.
ثم ربط هذا الإنجاز بقدرته التسويقية، وبدأ يروّج لنفسه استنادًا إلى هذه النتيجة فقط.
لكن، من دون أن نعرف:
- عمر الحساب الإعلاني: هل هو جديد أم يتمتع بسجل نظيف وبيكسلات مدربة؟
- عمر البراند نفسه: هل الحملة لأسماء تجارية معروفة أم لمتجر ناشئ؟
- جودة المحتوى والمادة الإبداعية المستخدمة: هل هناك محتوى فعّال سبق أن حصد تفاعلاً قويًا؟
- السوق المستهدف: هل هي صناعة ذات طلب مرتفع؟ هل في موسم ذروة؟
- سعر المنتج وهوامش الربح: هل كانت الأرباح فعلًا 40 ألف؟ أم أن تكلفة المنتج، والشحن، والمرتجعات، والدفع، كلها قلّصت الأرباح الحقيقية؟
- وجود حملات تكميلية أو سابقة: هل كانت هناك حملات ممهدة؟ نشاط عضوي؟ قاعدة عملاء مهيأة للشراء؟
كل هذه العوامل لا تقل أهمية عن الإعلان نفسه. تجاهلها لا يؤدي فقط إلى فهم سطحي، بل يُنتج أيضًا توقّعات غير واقعية لدى من يقرأ أو يشاهد الإعلان التسويقي، خصوصًا إن كان ممن يخطو خطواته الأولى في السوق.
السياق أهم من الرقم
في دراسة منشورة في Journal of Advertising بعنوان “The Use of Humor to Mask Deceptive Advertising”، وجد الباحثان “حسيب شبير” و”ديس ثويتس” أن:
“حوالي 73.5٪ من الإعلانات التي تستخدم الفكاهة تحتوي على عناصر تضليلية، وغالبًا ما تُستخدم الفكاهة كوسيلة لإخفاء أو تقليل وضوح هذه الادعاءات.”
هذا يؤكد أن استخدام وسائل إقناعية – مثل الأرقام أو الفكاهة – دون تقديم السياق الكامل، يُعد سلوكًا تسويقيًا خادعًا، حتى لو بدا للوهلة الأولى بريئًا أو جذابًا.
عندما يتحول التباهي إلى تضليل
نحن لا نلوم من ينجح ويشارك نجاحه، بل على العكس. النجاحات الملهمة تُحفّز وتُعلّم. لكن، حين يُستغل النجاح في تضليل الآخرين، فالمسألة تتجاوز مجرد تسويق… إنها تصبح استغلالًا لعدم خبرة جمهور معين.
في السوق السعودي تحديدًا، حيث يزداد التنافس ويُقبل كثير من التجار الجدد على الإعلانات الرقمية دون معرفة تقنية كافية، تكون المسؤولية مضاعفة.
فما يُنشر اليوم قد يُبنى عليه قرار استثماري غدًا، وقد يخسر آخر ماله اعتمادًا على قصة مبتورة.
الحل؟ الصراحة الذكية
لا أحد يطلب من المسوّق أن يكشف كل تفاصيله، لكن الشفافية المهنية تفرض حدًا أدنى من الوضوح.
لو قيل مثلًا:
“أطلقنا حملة إعلانية مدفوعة على منتج له جمهور مُهيأ، والحساب له سجل بيكسل دقيق، واعتمدنا على محتوى سبق أن اختُبر عضويًا، فحققنا مبيعات ممتازة.”
هنا ما زال العرض جذابًا، لكنه محترم، مهني، وغير مضلل.
وقد تكسب بهذا الصدق جمهورًا أكثر جودة، وأعمالًا أكثر استدامة.
احذر أن تقع في فخ الصورة دون خلفية
كل من يعمل في التسويق أو ريادة الأعمال يعرف أن الواقع أكثر تعقيدًا من مجرد إعلان ناجح.
نعم، هناك حملات تُحقق نتائج باهرة. لكن ما لم نفهم لماذا نجحت، ومتى، وتحت أي ظروف، فلن نتمكن من تكرارها أو محاكاتها بشكل واقعي.
وما لم تكن صادقًا مع نفسك وجمهورك في تقديم تجربتك كاملة، فأنت تضع نفسك – من حيث لا تدري – في موقع من يُضلل لا من يُلهم.
خلاصة
إذا أردت أن تروّج لنفسك، فافعلها بما يبني ثقة تدوم، لا ببريق يخدع.
السوق قد يُبهره نجاح سريع، لكنه لا ينسى مَن خدعه، ولو دون قصد.