صادفت منشورًا لإحدى الزميلات تسأل عن راتب مُصممة بدوام جزئي، وهو سؤال اعتيادي أجده يوميًا على منصات التواصل في وسط مقدمي الخدمات الاحترافية.

ولكن ما لفت انتباهي هو شيء مختلف في السؤال، وهو أن السائلة جمعت بين نظامين للعمل في عقد واحد.

وقبل أن نناقش هذه الإشكالية، اطلع أولًا على التغريدة والسؤال:

سؤال يتكرر كثيرا.

بصفتي مدير محتوى، أجريتُ العديد من مقابلات العمل بهدف التوظيف لصناع المحتوى، ما بين كُتَّاب ومصممين… إلخ. وفي كل مرة كان يسألني المرشحون هذا السؤال:

  • كم منشور سننشرُ شهريًا؟
  • كم عدد التصميمات التي سأصممها؟
  • كم فيديو سننتجُ؟

الحقيقة، وعلى الرغم من أن هذه الأسئلة تزعجني في مقابلات العمل، إلا أني أتفهم دوافعها جيدًا!

ما الدافع وراء هذه الأسئلة؟

تتكرر هذه الأسئلة كثيرًا لسببين أساسيين وهما:

أولًا: إجراء وقائي من ضغط العمل.

وهو أمر طبيعي، خصوصًا في العمل عن بُعد، إذ يخشى الموظف من أن يُحمَّل ما لا يطيق من الأعمال والمهام، فيحاول أن يستدل من طرحه لهذا السؤال على حجم وكثافة العمل المطلوبة.

وبالتأكيد سيؤثر ذلك على قراره بالاستمرار أو التراجع.

ثانيًا: الخلط بين التوظيف والتعاقد كمستقل.

غالب المتقدمين للعمل عن بعد هم في الأساس مقدمو خدمات مستقلين، ونموذج عملهم قائم على تنفيذ مشاريع محددة المخرجات، وأهم مُخرَجٍ هو عدد قطع المحتوى التي يُنتِجُونها، وبالتالي فسؤالهُم منطقي تمامًا إذا أخذنا في الاعتبار خلفيتهم كمستقلٍّين.

هل يصح هذا السؤال؟

على الرغم من خلفية ودوافع السؤال، وإن كانت حسنة ومُبرَّرة، إلا أن السؤال غير صحيح شكلًا وموضوعًا، فعقد التوظيف يختلف تمامًا في طبيعته ومُخرجاته عن التعاقد المستقل.

ودعني أوضح لك الفرق:

  • عقد التوظيف: وفيه تستأجر الشركة شيئين من الموظف: وقته ومهارته في ذلك الوقت. فإذا وظفته بدوام 8 ساعات، فهي بذلك تستأجر منه 8 ساعات من وقته ليمارس فيها مهارته يوميًا.
  • التعاقد بالمشروع: هنا لا تستأجر الشركة من المستقل أي شيء، بل تُوكِلهُ في تنفيذ مُهِمَّاتٍ، وبالتالي فهو وكيل عنها في تنفيذ المهمة وفق مدة ومُقابلٍ مادي ومُخرَجاتٍ مُحددة.

وبالتالي، لو أن مُصَمِّمًا محترفًا قادر على إنهاء تصميم في ساعة، وكان تعاقده مع الشركة لمدة 8 ساعات، فستبقى للشركة في ذمته 7 ساعات أخرى عليه أن يفي بحقها فيها مادامت تطلب منه المزيد من التصميمات!

أما في حالة المشروع كمستقل، فلا يلزمه أكثر من التصميم الذي طُلِبَ منه حتى لو أنهاه في 5 دقائق مادام قد وفى باعتبارات الجودة المطلوبة منه!

بمَ أجيبُ على هذا السؤال؟

عندما يسألني المتقدمون هذا السؤال، تكون إجابتي كالتالي:

دوري بصفتي مدير محتوى أن أُبقِيَكَ دومًا على وضع الإنتاج، مادامت مُخرَجاتُكَ جيدة، وما دمتَ لم تحترق! فإذا تأثرت المخرجات، أو شعرت بالضغط الذي يُحرق نفسيتك، وجب عليَّ أن أُخففَ من وتيرة الإنتاج بما يناسبك، ثم أزيدها متى تحسنَ إنتاجك، إما بسبب تحسن مهارتك، أو لارتياحك النفسي.

بذلك نفي سويًا بحق العمل، ونحميك من الاحتراق.

هل يصح أن أُجاري المُتقدِّم في سؤاله؟

لا، لا يصح، فإذا أجبته بأن يتوقع مثلاً 8 مقالات شهريًا، ثم اكتشفت أنه قادر على إنتاج 12 مقالًا، فهذا يعني أني خسرت 50% من جهده ووقته المُخصَّصَين للعمل. وإذا اكتشفت أنه غير قادر على إنتاج أكثر من 6 مقالات فقط، فقد أضر بنفسه بأن وضع نفسه تحت ضغط قد يُخِلُّ بجودة المُخرَجات!

في النهاية…

عادةً ما تُرافقُ مشاعر القلق والخوف والترقب وعدم الثقة عمليات التوظيف، وهو أمر مفهوم، ولكن لا يجب أن ندع هذه المشاعر تدفعنا إلى مخالفة العقل والمنطق، فضلاً عن الأخلاق والدين في تعاقداتنا، بل نتوكل على الله، ونستعين به، وكفى به سبحانه وتعالى شهيدًا علينا…

سلام…