في أوساط كثيرة، يتردّد هذا السؤال:

ويُقابل هذا الطرح بمن يردّ بثقة: “الجودة تتكلم عن نفسها.”

لكن الواقع التجاري، المليء بالأمثلة والبيانات، لا يميل دومًا لهذا التفاؤل الأخلاقي.

في هذا المقال، سنغوص في هذا السؤال بمستوى أعمق، ونتتبع المسارات التي تجعل منتجًا محدود الجودة يُحقق مبيعات هائلة، في حين تظل منتجات ممتازة حبيسة رفوف النسيان.

أولًا: لنُعرّف “النجاح”

النجاح في سياق الحديث هنا لا يعني “الاستمرارية” بالضرورة، بل نقصد به: تحقيق مبيعات أو إقبال ملحوظ على المنتج خلال فترة زمنية معينة، سواء أكان ذلك مستدامًا أم مؤقتًا.

هذا التعريف مهم، لأن كثيرًا من المنتجات التي نجحت بسبب تسويق قوي، لم تصمد طويلًا حين اصطدمت بتجربة العملاء الفعلية. لكن هذا لا يمنع أن تلك المنتجات نجحتفي البداية، وربما حققت أرباحًا ضخمة قبل أن تبدأ في الانهيار.

الأمثلة كثيرة.. فلننظر لبعضها

Fyre Festival المثال الصارخ على الوعود اكاذبة

المهرجان الذي رُوِّج له عبر حملة ضخمة قادها مؤثرون عالميون مثل Kendall Jenner، وبدا وكأنه الحدث الفاخر المنتظر على جزيرة خاصة في الباهاما؟

النتيجة على الأرض كانت كارثية: لا تجهيزات، لا تنظيم، لا خدمات. لم يجد الحضور سوى خيم طوارئ بدل الفيلات، وشطائر جبن بدل قوائم الطعام الفاخر، مع غياب كامل للجاهزية اللوجستية.

لكن الحقيقة أن التسويق وحده باع آلاف التذاكر في وقت قياسي، وجمع ملايين الدولارات، رغم أن المنتج – أي المهرجان – لم يكن جاهزًا أصلًا.

هذا المثال حاد ومؤلم، لكنه يُظهر أن التسويق القوي قادر بالفعل على دفع منتج هش إلى الواجهة، ولو مؤقتًا، كما أوضح وثائقي Netflix وكشفت تغطيات Forbes.

مثال آخر من عالم المنتجات التقنية:

في عام 2016، أطلقت شركة Juicero عصارة فواكه ذكية في السوق الأمريكية، بسعر بدأ من 699 دولارًا ثم خُفِّض لاحقًا إلى 399 دولارًا. المنتج جذب استثمارات تجاوزت 120 مليون دولار، وكان يُسوَّق على أنه ثورة في عالم الأغذية الصحية.

لكن في عام 2017، كشفت تحقيقات Bloomberg أن الأكياس المستخدمة يمكن عصرها يدويًا بسهولة، دون الحاجة للجهاز أساسًا، ما كشف هشاشة القيمة التي يقدمها المنتج.
ورغم هذه الحقيقة، كانت الشركة قد باعت آلاف الأجهزة في البداية بفضل الحملات التسويقية القوية والدعم الاستثماري الضخم، قبل أن تنهار لاحقًا وتُعلن إغلاقها رسميًا في سبتمبر 2017، كما وثّقت CNN Money.

هذا المثال يُظهر بوضوح كيف يمكن لتسويق قوي أن يدفع منتجًا محدود القيمة إلى الواجهة، ولو لفترة مؤقتة فقط.

ما الذي يصنع “نجاحًا تسويقيًا” لمنتج رديء؟

الأمر لا يتعلق فقط بالإعلانات، بل بمنظومة كاملة تشمل:

  • اختيار جمهور مستهدف لا يملك الخبرة الكافية للحُكم على الجودة
  • تصميم تجربة بصرية جذابة تُخفي العيوب خلف الغلاف
  • الاعتماد على مؤثرين أو شهادات اجتماعية (Social Proof) تُعزز الثقة
  • التسويق لفكرة أو أسلوب حياة بدلًا من المنتج نفسه

وهنا يصبح المنتج “وعاء”، ويُصبح ما يُباع فعليًا هو الإحساس، الطموح، أو الصورة الذهنية، وليس القيمة الحقيقية.

ولكن… الجودة ليست بلا سلاح

من جهة أخرى، لا يمكن الاستخفاف بأثر الجودة، خاصة في الصناعات التي تعتمد على التكرار، أو في الأسواق التي تنضج سريعًا.

منتج سيئ بتسويق جيد قد ينجح مرة واحدة، لكن الجودة الجيدة بتسويق متواضع، قد تبني ولاء طويل الأمد وسمعة مستقرة.

خذ على سبيل المثال تجربة شركة Dyson.
كان المنتج ثوريًا من حيث الأداء، حيث ابتكر James Dyson أول مكنسة كهربائية بدون كيس بعد تطوير أكثر من 5,000 نموذج أولي خلال خمس سنوات من المحاولات.
ورغم قوة الابتكار، لم تجد فكرته قبولًا سريعًا؛ إذ رفضت كبرى الشركات تبنّيها خوفًا على سوق أكياس الغبار، ما أجبره على بيع منتجه أولًا في اليابان عام 1983 عبر نموذج G‑Force، ثم أسس شركته الخاصة عام 1993 ليُطلق منها طراز DC‑01.

التسويق لم يصنع النجاح من البداية، بل الجودة هي من صمدت، حتى وجدت طريقها إلى السوق. وبعد عام ونصف فقط، أصبحت دايسون العلامة الأسرع مبيعًا في المملكة المتحدة.
قصة دايسون تُظهر أن الجودة وحدها لا تضمن الانطلاقة، لكن إن صمدت بما يكفي، ففرصتها في البروز قائمة، كما تؤكد BBC وTime.

من ينتصر إذًا؟ الجودة أم التسويق؟

الجواب ليس أبيض أو أسود.

في المدى القصير، يمكن للتسويق أن يُزيّف الصورة ويُحقق نجاحًا سريعًا.

لكن في المدى المتوسط والطويل، لا يصمد إلا من يملك منتجًا يُرضي العملاء، ويصمد تحت ضغط الاستخدام والتقييم الحقيقي.

في الأسواق الحديثة، حيث تزداد القدرة على مشاركة التقييمات والآراء (عبر Google Reviews، TikTok، Reddit… إلخ)، يصعب على المنتج الرديء أن يخدع الناس طويلًا.

لكن هذا لا يُنكر أنه قد يحقق أرباحًا ضخمة قبل أن يسقط.

ماذا يعني هذا لصاحب النشاط التجاري؟

إن كنت تملك منتجًا عالي الجودة، فلا تفترض أن هذا يكفي وحده.

التسويق ليس ترفًا، بل ضرورة لخلق فرصة الاستماع لروايتك.

وإن كان منتجك يعاني من مشاكل فعلية، فتجنّب الاعتماد على التسويق كوسيلة لتجميل الواقع.

هذا قد ينجح مبدئيًا، لكنه مكلف جدًا عند الانكشاف.

الجودة تسندك في المدى الطويل. لكن التسويق هو من يدخلك السباق أصلًا.

الخلاصة

يمكن للمنتج الرديء أن ينجح تسويقيًا، وربما يحقق أرباحًا مؤقتة.

لكن الاستدامة لا تُبنى على الخداع.

والتسويق القوي لا يُغني عن منتج لا يفي بوعده.

والأفضل؟ أن تجمع بين الاثنين: منتج يليق، وتسويق يعرف كيف يحكي حكايته.

المقال سـ & جـ

هل يمكن للتسويق القوي أن يبيع منتجًا رديئًا؟

نعم، يمكن للتسويق أن يخلق طلبًا على منتج محدود الجودة ويحقق مبيعات مؤقتة، لكنه نادرًا ما يصنع نجاحًا مستدامًا.

لماذا تنجح بعض المنتجات رغم ضعف قيمتها الفعلية؟

لأنها تُقدَّم بطريقة جذابة، وتُسوّق كرمز لنمط حياة أو حل سريع، وغالبًا ما تستهدف جمهورًا غير خبير بالمنتج نفسه.

هل الجودة وحدها تكفي لنجاح المنتج؟

لا، الجودة عنصر مهم لبناء السمعة والولاء على المدى الطويل، لكنها لا تكفي دون تسويق فعّال يبرز مزاياها.

ما أبرز الأمثلة الواقعية على نجاح مؤقت لمنتج ضعيف؟

Fyre Festival وJuicero مثالان شهيران؛ كلاهما نجح تسويقيًا في البداية، ثم انهار عند أول احتكاك مع الواقع.

ما العوامل التي تُسهم في تسويق منتج ضعيف بنجاح؟

تحديد جمهور غير خبير، تصميم بصري مبهر، الاعتماد على مؤثرين، وبيع فكرة أو إحساس بدلًا من المنتج نفسه.

اترك أول تعليق