في بدايات أي نشاط، أو مع دخول منتج جديد للسوق، يتكرر السؤال نفسه:

كيف نُعرف الناس علينا؟

ويأتي الجواب التقليدي: “نطلق حملة توعية”.

فكرة منطقية، بل ضرورية. لكن تنفيذها هو ما يصنع الفرق.

حملات الوعي ليست إعلانًا عابرًا، ولا فيديو بمؤثرات جذابة.

هي تمهيد العلاقة بينك وبين جمهورك.

وما لم تُخطط لها بذكاء، فإنها قد تُعطي نتائج عكسية، أو تمرّ مرورًا باهتًا لا يترك أثرًا يُذكَر.

في هذا المقال، دعني آخذك في جولة على أكثر الأخطاء شيوعًا عند إطلاق هذه الحملات، والأهم: كيف تتفاداها بأسلوب عملي، واقعي، ويُحاكي ما يعيشه السوق بالفعل.

١. أن تبدأ الحملة ولا تعرف ماذا تريد منها

ربما يكون هذا الخطأ هو الجذر الأول لكل ما يليه.

أن تبدأ حملة توعية فقط لأن “المنافس أطلق واحدة”، أو لأن الميزانية تسمح.

لكن ما الهدف بالضبط؟ أن يعرف الناس اسمك؟ أن يفهموا فكرتك؟ أن يتذكروا شعارك؟ أن يربطوا بينك وبين حاجة معينة؟

هذه الأسئلة ليست ترفًا، بل جوهر الحملة.

كلما كان الهدف ضبابيًا، جاءت الرسالة مشوشة، وكان القياس شبه مستحيل.

انظر إلى مثال واضح:

شركة مثل Oatly – حليب نباتي – لم تطلق حملة لتقول “اشتروا منتجنا”، بل لطرح تساؤل: “هل نعرف أصل ما نشرب؟”

الهدف لم يكن البيع، بل زعزعة التصور السائد.

وهذا ما جعل الحملة مثيرة وفعّالة، لأنها انطلقت من نية واضحة، وتوجه محسوب.

٢. أن تظن أن الجمهور سيبذل جهدًا ليفهمك

لا أحد لديه وقت اليوم ليحلل إعلانًا غامضًا أو يتتبع فكرة مبهمة.

الجمهور، مهما كان ناضجًا أو مهتمًا، يريد أن يفهم الرسالة من أول مرة، وبأبسط صيغة ممكنة.

لكن هذا لا يعني أن تستخف بعقله، بل أن تتحدث بلغته، وأن تلامس ما يعنيه فعلًا.

المشكلة أن بعض الحملات تتحدث إلى جمهور خيالي، لا إلى جمهورها الفعلي.

تقول “نستهدف فئة عمرية بين 25 و35″، ثم تكتب بلغة لا تشبههم، وتعرض لهم سيناريو لا يعيشونه.

قبل أن تفكر في التصميم والإخراج، فكّر في الإنسان الذي سيرى هذه الرسالة: ما الذي يشغله؟ ما الذي يجعله يتوقف أمام إعلان؟ ما الذي يدفعه للتفكير، أو المشاركة، أو حتى الضحك؟

وإن لم تجد إجابة مقنعة، فربما لم تعرف جمهورك كما يجب.

٣. أن تقيس الوعي بعدد المشاهدات

هذا شائع جدًا، للأسف.

تسأل أحدهم: كيف أدّت الحملة؟

فيجيب بثقة: “حققت مليون ظهور!”

لكن حين تسأل: “كم شخص بحث عنك بعدها؟ كم واحد عاد إليك؟ كم واحد تذكرك بعد أسبوع؟”

لا تجد إجابة.

الوعي الحقيقي ليس مجرد مرور بصري، بل حضور في الذهن.

لا تقِس نجاحك بعدد من شاهد الإعلان، بل بعدد من تأثر به، أو تفاعل معه، أو حمل الرسالة معه ولو قليلًا.

خذ مثلًا بسيطًا:

حملة على لينكدإن قد لا تحقق أرقامًا ضخمة، لكنها تصل إلى جمهور ضيق ومؤثر.

في المقابل، حملة على تيك توك قد تنتشر بسرعة، لكن تمرّ من الذاكرة مثل أي فيديو آخر.

المطلوب؟ أن توازن بين الانتشار والعمق، وألا تفرح بالأرقام دون أثر.

٤. أن تترك الرسالة تذوب وسط المؤثرات

كل حملة ناجحة تبدأ من فكرة واضحة يمكن تلخيصها في جملة.

لكن ما يحدث أحيانًا أن تُغلف هذه الجملة بطبقات من المؤثرات، والموسيقى، والتصوير، حتى تختفي.

فنخرج بفيديو جميل، لكن لا نذكر ماذا أراد أن يقول.

اسأل نفسك دائمًا: لو رأى أحدهم هذا الإعلان على عجالة، ما الذي سيتذكره؟

هل هناك جملة واضحة؟ شعور صادق؟ وعد يمكن إعادة قوله؟

بعض العلامات التجارية تبني كل حملتها على سؤال واحد مثل “ليش تدفع كاش؟”

بساطة العبارة هي التي تُمهّد الطريق نحو التعاطف والتفاعل.

٥. أن تختار القناة فقط لأنها مشهورة

ليست كل منصة مناسبة لكل حملة.

ما يصلح لمنتج شبابي قد لا يناسب خدمة مهنية.

وما يحقق نتائج على سناب شات قد لا يفيد إطلاقًا على تويتر.

المعيار ليس عدد المستخدمين، بل ما إذا كانت المنصة تُستخدم بنفس الطريقة التي تود أن تُوصّل بها رسالتك.

هل جمهورك هناك فعلًا؟ هل يتفاعل هناك؟ هل يثق بما يُنشر فيها؟

وربما الأهم: هل ما تنشره أنت يشبه ما يتوقعه الناس في هذه المنصة؟

لأن الرسائل الغريبة عن السياق لا تُلفت النظر، بل تُرفض تلقائيًا.

٦. أن تعتقد أن الناس سيتذكرونك من أول مرة

هذا تصور شائع، ويؤدي إلى إحباط غير مبرر.

تطلق حملة، ثم تنتظر أن تبدأ المكالمات، أو تزيد الطلبات فورًا.

لكن الوعي لا يُبنى في ليلة.

بل هو عملية تراكمية، تبدأ بالظهور، ثم التكرار، ثم الربط، ثم التفاعل.

أظهرت دراسة شهيرة من Nielsen أن المستهلك بحاجة إلى التعرض للعلامة من 5 إلى 7 مرات قبل أن يبدأ في تذكّرها أو الوثوق بها.

بالتالي، لا تجعل حملتك “طلقة واحدة”، بل سلسلة متصلة، تحمل نفس الروح، وتظهر بنفس الثبات، مهما اختلفت المنصات أو الأشكال.

٧. أن تُهمل التجربة التي تلي الحملة

ليس من المنطقي أن تجذب انتباه الناس بحملة مميزة، ثم تخذلهم عند أول زيارة لموقعك.

أو أن يصلوا إلى صفحتك فلا يجدوا ما وعدتهم به.

رفع الوعي لا يتوقف عند الإعلان، بل يبدأ منه.

كل شيء بعده يجب أن يكون امتدادًا للرسالة نفسها: اللغة، الصور، طريقة الرد، حتى تجربة الاستخدام.

تخيّل مثلًا أن تطلق حملة تقول إنك “الأسرع في السوق”، ثم يجد العميل أن الطلب يستغرق ٤٨ ساعة للرد.

كل ما بُني في الإعلان سيتحول إلى شك.

٨. أن تعتبر الحملة غاية في حد ذاتها

البعض يتعامل مع حملة الوعي على أنها “مشروع له بداية ونهاية”.

بينما في الحقيقة، هي جزء من علاقة طويلة تُبنى مع الجمهور.

إن نجحت الحملة، فهذا جيد.

لكن المهم أن تسأل بعدها: ماذا بعد؟ كيف نستثمر هذا الوعي؟ ما الرسالة التالية؟ ما الخطوة التي نربط بها الجمهور أكثر؟

الوعي ليس نهاية الرحلة، بل بدايتها.

خلاصة القول

رفع الوعي ليس عملًا إبداعيًا فقط، ولا تسويقًا خالصًا، بل هو تفاعل ذكي بين الفكرة والسوق.

إن تجنبت الأخطاء التي تحدّثنا عنها، فأنت تقترب من حملة لا تترك فقط أثرًا، بل تبني علاقة تُثمر لاحقًا.

تذكّر دائمًا: الناس لا يشترون ممن لا يعرفونه.

وإن عرفوك، فسيختارونك إذا شعروا بأنك تفهمهم، وتحترم وقتهم، وتقدم شيئًا يستحق أن يُسمع.

اترك تعليقك