في السنوات الأخيرة، اكتسح الذكاء الاصطناعي (AI) ساحة التسويق الرقمي بوصفه “الثورة القادمة” التي ستُعيد تشكيل كل شيء: من كتابة المحتوى إلى التخصيص الدقيق للحملات، وتحليل سلوك المستهلكين في الزمن الحقيقي. إلا أن الواقع، كما يكشفه تحليل دقيق لمقال منشور على منصةMarTech، أكثر تعقيدًا بكثير مما يعدنا به صُنَّع المحتوى والمنبهرين به.
بين الوعد والواقع
يُروَّج للذكاء الاصطناعي كأداة قادرة على تحسين كفاءة الحملات التسويقية بشكل غير مسبوق، وهو بالفعل يُستخدم اليوم في جوانب محددة مثل تلخيص الاجتماعات أو تبسيط واجهات أدوات التسويق.
لكنه – حتى اللحظة – ما زال عاجزًا عن أداء المهام ذات الطبيعة الإبداعية أو الاستراتيجية الدقيقة مثل كتابة رسائل تسويقية مقنعة، أو صياغة حملات متكاملة تستند إلى فهم عميق للإنسان ودوافعه.
كثيرًا ما نرى رسائل بريد إلكتروني مكتوبة بالذكاء الاصطناعي تبدو “صحيحة نحويًا” لكنها تفتقر إلى النغمة الشخصية أو تتضمن افتراضات غير دقيقة عن الجمهور. هذه الأخطاء لا تقلل فقط من فعالية الرسالة، بل تُفقدها طابعها الإنساني الضروري للتفاعل.
لماذا لا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يحل محل المسوقين المحترفين؟
وفقًا لدراسة ذكرتها شركة Apple، يواجه الذكاء الاصطناعي ما يُعرف بـ”الانهيار الكامل” (Complete Collapse) عند مواجهة مسائل معقدة تتطلب تفكيرًا غير خطي أو استيعابًا لمتغيرات ثقافية أو عاطفية.
في السياق التسويقي، حيث يتداخل علم النفس مع السلوك البشري، وحيث يتطلب النجاح فهمًا عميقًا للثقافة، والسياق، والنبرة المناسبة، يفقد الذكاء الاصطناعي بوصلة الأداء ويصبح عبئًا لا أداة.
الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة… لا كبديل
رغم هذه القيود، لا يمكن التقليل من قيمة الذكاء الاصطناعي كمساعد فعّال في مهام كثيرة: مثل تحليل البيانات الكبيرة، واستخلاص الأنماط السلوكية، وتوليد رؤى سريعة حول أداء الحملات.
فبدلًا من الخوف من الذكاء الاصطناعي، ربما علينا استيعابه وتوجيهه ليُعزز قدراتنا كبشر، لا أن يحل محلنا.
التحديات التي تعيق تبني الذكاء الاصطناعي
من أبرز العوائق:
- ضعف المعرفة الداخلية بكيفية دمج الذكاء الاصطناعي في الاستراتيجيات التسويقية.
- قلة المواهب المدربة على استخدام هذه الأدوات بذكاء.
- نقص في استثمارات التعليم والتجريب.
- تعقيد واجهات المستخدم في كثير من أدوات AI، والتي لا تزال تُعاني من فجوات تصميمية تؤثر على تجربة الاستخدام.
وهذا ما يجعل كثيرًا من أدوات الذكاء الاصطناعي تبدو واعدة من الخارج، لكنها في الواقع لا تقدم قيمة حقيقية تتجاوز طبقة سطحية من الأتمتة.
ماذا يفعل المسوق الذكي في هذا الواقع؟
المسوق الذي يُجيد فهم البشر أكثر من فهم الخوارزميات، هو من سيظل في المقدمة.
من يُتقن التفكير الإبداعي، ويعرف كيف يحوّل البيانات إلى قصص، وكيف يربط بين منتجه وهموم جمهوره، سيجد في الذكاء الاصطناعي شريكًا فعّالًا – لا تهديدًا.
وتُشير مصادر مثل Harvard Business Review إلى أن الذكاء الاصطناعي، في أحسن حالاته، سيصل إلى مستوى أداء الإنسان العادي. لكنه سيبقى بعيدًا عن الأداء الإبداعي المتقدّم أو الاستراتيجي الدقيق، ما يفتح المجال أمام المسوقين للتركيز على القيمة الإنسانية التي لا يمكن تقليدها.
الخلاصة
الذكاء الاصطناعي ليس معجزة تسويقية، لكنه أيضًا ليس تهديدًا وجوديًا. هو أداة قوية بحدود واضحة، ويمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا إذا استُخدم في المكان الصحيح وبالطريقة المناسبة.
المطلوب اليوم ليس استبدال الإنسان، بل تمكينه.
والمسوق الذكي هو من يعرف أن المنافسة الحقيقية ليست بينه وبين الخوارزمية… بل بينه وبين نفسه، في مدى قدرته على الجمع بين الفن والعلم، بين المشاعر والمعطيات، بين القصة والرقم.