في زحام المقرّرات والمواد الدراسية، يتخرّج كثيرٌ من الطلاب من تخصّص التسويق وهم لا يعرفون على وجه الدقة: ما الذي ينتظرهم في السوق؟

والأصعب من ذلك، أنهم لا يعرفون ما الذي يجب أن يبدأوا به أصلًا!

ولنكن صريحين:

هذا ليس ذنبك وحدك.

الجامعات تقدّم مدخلًا عامًا، لكن سوق العمل يطلب شيئًا مختلفًا تمامًا: نتائج، مهارات، و”فهم حقيقي” لطبيعة كل مسار.

إذًا…

كيف يمكن لحديث التخرج أن يحدّد بوصلته في هذا المجال الواسع؟

دعنا نبدأ من الجذر.

لماذا يبدو التسويق مجالًا ضخمًا يصعب الإلمام به؟

السبب بسيط:

التسويق لم يعد وظيفة واحدة، بل شبكة من المهام المتداخلة.

تسويق المحتوى.. الإعلانات.. تحسين محركات البحث.. إدارة الحملات.. التسويق بالبريد.. البيانات والتحليلات.. تجربة المستخدم.. إدارة العلاقات… القائمة تطول.

وكل مسار من هذه المسارات يمكن أن يكون “تخصّصًا كاملًا” بحد ذاته.

ما يجعل الأمر مربكًا أحيانًا، أن كل وظيفة تسويقية تبدو مهمّة، وكل مهارة فيها تبدو مطلوبة. لكن الحقيقة؟

ليس مطلوبًا منك أن تتقن كل شيء، بل أن تعرف “ماذا يناسبك أكثر”.

3 أسئلة لاختيار مسارك التسويقي

لنبدأ من الداخل، لا من الخارج.

  • ما الذي تستمتع به أكثر؟
    هل تحبّ الكتابة؟ تحليل البيانات؟ العلاقات؟ التصميم؟
    كل إجابة تفتح بابًا لمسار مختلف.
  • ما الذي يمكنك التدرّب عليه الآن؟
    ليست كل المسارات متاحة للتجربة الذاتية.
    لكن يمكنك بدء مدونة، إنشاء حسابات تروّج بها لمنتج، تحليل بيانات حملات مفتوحة، أو متابعة كورسات محترفة لتتذوّق طبيعة العمل.
  • ما الذي يحتاجه السوق؟
    راجع إعلانات الوظائف، راقب المهارات المطلوبة، اسأل من سبقك في السوق، وانظر أين تتقاطع اهتماماتك مع احتياج السوق الفعلي.

مسارات التسويق: لمحة سريعة

معظم وظائف التسويق اليوم تقع تحت واحدة من هذه المسارات الستة:

  1. تسويق المحتوى: الكتابة، التدوين، صناعة النصوص المقنعة، تحسين المقالات لمحركات البحث.
  2. الإعلانات المدفوعة: إدارة حملات فيسبوك، جوجل، سناب، تيك توك وغيرها.
  3. التسويق عبر البريد الإلكتروني: بناء القوائم، إعداد الرسائل، تحسين معدلات الفتح والنقر.
  4. تحليلات التسويق: قراءة البيانات، تحليل النتائج، تحسين الأداء بناءً على الأرقام.
  5. إدارة العلاقات وتجربة العميل: التعامل مع العملاء، فهم رحلتهم، تحسين تجربتهم.
  6. العلامة التجارية والتسويق الاستراتيجي: تحديد الاتجاهات، بناء هوية، فهم السوق والمنافسين.

من المهم أن تعلم: ليست هناك “أفضلية مطلقة” بين هذه المسارات، بل لكل مشروع ما يناسبه، ولكل شخص ما يبدع فيه.

كيف تكتشف المسار المناسب لك؟

ابدأ بـ”تجربة مصغّرة” في أكثر من مسار.

جرب أن تكتب منشورات لحساب وهمي، تدير حملة إعلانية بمبلغ صغير، تحلّل صفحة هبوط، تحاول تصميم استراتيجية بسيطة لمنتج افتراضي.

هذه التجارب لا تُقدّر بثمن، لأنها توفّر لك جوابًا عمليًا:

هل هذا المجال يشدّني فعلًا؟ هل يمكنني التطوّر فيه؟

ولا بأس أن تسأل نفسك بعد كل تجربة:

  • هل أريد أن أتعمّق في هذا أكثر؟
  • هل أرى فيه فرصة لمستقبل مهني حقيقي؟
  • هل أنا على استعداد أن أتحمّل التعلّم فيه من الصفر؟

ماذا عن الشهادات والدورات؟ هل تكفي؟

دعنا نكون واقعيين:

الشهادات ليست ضمانًا لأي شيء، لكنها تبقى أداة مفيدة.

فوفقًا لتجارب وملاحظات العديد من الخبراء، فإن ما يهمّ الشركات اليوم ليس مجرد الشهادات، بل القدرة على التطبيق العملي: أن تُثبت أنك تستطيع جذب عملاء، تحسين أداء حملة، أو كتابة رسالة تسويقية تحقق نتائج فعلية.

الشهادات مثل HubSpot أو Google قد تعزز سيرتك الذاتية، لكنها وحدها لا تكفي ما لم تُترجم إلى مشاريع أو نتائج ملموسة.

وهذا ما تؤكده ممارسات التوظيف في السوق، حيث يفضّل كثير من أصحاب القرار الاطّلاع على ملف أعمال حقيقي أكثر من قائمة طويلة بالشهادات.

كما يشير تقرير Champlain College أن الشهادات تمنح أساسًا معرفيًا جيدًا، لكنها لا تُغني عن الخبرة العملية.

لذا، لا تُراكم الدورات لمجرد تحصيلها، بل ركّز على تطبيق كل ما تتعلّمه في مشاريع حقيقية أو محاكاة واقعية، ولو كانت صغيرة أو شخصية.

هل أحتاج خبرة لأبدأ؟

بالطبع لا.

لكن تحتاج إلى “دليل عملي” على أنك تفهم ما تفعله.

صفحة سابقة أدرتها، حملة أطلقتها، مقال كتبته، تحليل أنجزته، محتوى صممته… أي شيء تضعه في محفظة أعمالك يرفع فرصك.

ولا تنتظر وظيفة رسميّة كي تبني هذه المحفظة.

اصنعها بنفسك، حتى ولو كانت على مشاريع افتراضية.

كلمة أخيرة

إذا كنتَ حديث التخرج، فربما تشعر بالحيرة والقلق — وهذا طبيعي.

المهم ألا تجعل هذا الشعور يجمّدك.

ابدأ، ولو بخطوة صغيرة. تعلّم، جرّب، اسأل، وكرّر.

تراكم الخبرات الصغيرة هو ما يصنع مسارًا كبيرًا في النهاية.

ولا تنسَ:

ليس المهم أن تبدأ من “المكان الصحيح”، بل أن تبدأ، وتصحّح الطريق وأنت تتحرّك.

اترك تعليقك