كم مرة سمعت صاحب متجر يشتكي قائلًا: “الحمد لله، الطلبات شغّالة… لكن ما فيه أرباح تُذكر!”
أو ربما اختبرت ذلك بنفسك: حملات إعلانية تعمل، زيارات في الموقع تزداد، المبيعات تتدفق، ومع ذلك: الربح الصافي يكاد لا يُذكر، أو أسوأ من ذلك، تخسر وأنت تبيع.
في هذه اللحظة، تتجه أصابع الاتهام عادة إلى المسوّق.
“التسويق بيصرف كتير”، “لو مكانش في خصومات مش بنبيع، يبقى المُسوق فاشل”!
لكن ماذا لو كانت المشكلة أعمق من ذلك؟
ماذا لو كانت في أساس المشروع نفسه: في التسعير، في استراتيجية العروض، في اختيار المنتجات، أو في نموذج العمل ككل؟
في هذا المقال سنحلّل المشكلة من جذورها، ونفهم متى تكون الإعلانات بريئة، ولماذا قد تكون الزيادة في المبيعات مؤشرًا مضلّلًا إن لم تُربط بتحليل ربحي حقيقي.
الربح لا يعني البيع
كثير من أصحاب المتاجر يقيسون نجاحهم بعدد الطلبات أو قيمة المبيعات. لكن هذا المؤشر وحده غير كافٍ، بل قد يكون مخادعًا.
لو بعت 100 قطعة بسعر 100 ريال، ودفعت 90 ريالًا تكاليف لكل قطعة، فمبيعاتك 10,000 ريال… وربحك فقط 1,000 ريال (إن لم تُحسب التكاليف التشغيلية الأخرى).
لكن لو حملتك الإعلانية كلّفتك 3,000 ريال لتوليد هذه الطلبات، فأنت فعليًا خاسر 2,000 ريال رغم أن المبيعات “شغّالة”.
ما يجب أن تتابعه فعلًا هو:
- متوسط هامش الربح على كل طلب
- قيمة الطلب الواحد (AOV)
- تكلفة الحصول على العميل (CAC)
- نسبة تكرار الشراء أو LTV
- معدل التحويل مقارنة بجودة الجمهور المستهدف
الإعلانات لا تصنع المعجزات (ولا تُصلح نموذجًا فاشلًا)
المسوّق لا يمكنه تحويل منتج خاسر إلى مشروع مربح، مهما كان بارعًا.
إنفاق المال على حملات تروّج لمنتجات غير مربحة، أو بأسعار غير مدروسة، يشبه تمامًا سكب الماء في سطل مثقوب.
مثال للتقريب:
صاحب متجر أثاث قرر الترويج لطاولة طعام خشبية فاخرة. سعر البيع 950 ريال. تكلفة التصنيع والشحن والتخزين تصل إلى 800 ريال.
هامش الربح: 150 ريال فقط.
الحملة الإعلانية على إنستغرام كلّفته 85 ريالًا للحصول على طلب واحد.
بعد خصم عمولة منصة الدفع، والتغليف، وخدمة العملاء… الربح الصافي أقل من 20 ريالًا.
أي مشكلة في التحويل أو تأخير في التوصيل قد تقلب الرقم إلى خسارة.
هل الخطأ في الإعلان؟ لا. الخطأ في أن الإعلان يروّج لمنتج بهامش غير كافٍ لتحمّل تكلفة التوصيل والتسويق.
قبل أن تبدأ الحملة: راجع أرقامك
قبل أن تطلب من المسوّق “يعزّز المبيعات”، اسأله أن يراجع معك التالي:
- ما هو أقل هامش ربح يمكن قبوله لكل منتج؟
- ما هو متوسط تكلفة الوصول لطلب واحد عبر القنوات المختلفة؟
- ما هي المنتجات التي تجلب زيارات عالية لكن مبيعات ضعيفة؟
- هل يمكن تعديل عرض المنتج لرفع قيمة السلة؟ مثل باقات مجمّعة أو إضافة هدايا؟
- هل هناك منتجات مربحة فعليًا لا تُروّج بالشكل الكافي؟
احذر هذه الإشارات الحمراء
- المنتجات الرائجة التي يطلبها العملاء كثيرًا لكن تؤدي إلى ربح أقل من 10%
- الاعتماد الكلي على خصومات لجذب الطلبات
- الإنفاق المتكرر على الإعلانات دون تحسّن في صافي الأرباح
- ضعف واضح في نسبة تكرار الشراء من العملاء السابقين
- غياب التتبّع المالي الدقيق لحساب التكاليف المتغيرة (كالتغليف، المرتجعات، خدمات الدفع)
الحل يبدأ من الداخل وليس من الحملة
قبل أن تُكثّف إعلاناتك، احسب:
هل المنتج يستحق الترويج؟
هل التسعير عادل لك وللعميل؟
هل الربح كافٍ لتحمّل تكلفة التسويق والتوصيل؟
هل هناك بدائل في تشكيل العروض أو طريقة تقديم المنتج تزيد من ربحيته؟
ابدأ من هذه الأسئلة، ثم فكّر في الإعلانات كرافعة، لا كعصا سحرية.
الخلاصة
إذا كنت تبيع كثيرًا لكن لا ترى أرباحًا حقيقية، فتوقّف عن لوم الإعلانات للحظة.
انظر في نموذج الربح، في طريقة التسعير، في استهداف المنتجات، في قنوات التوزيع.
عندما يكون الأساس سليمًا، تُثمر الإعلانات.
أما إذا كان النموذج هشًا، فكل زيارة تُكلّفك أكثر مما تربح… حتى وإن بدا العكس.