في يوليو 2025، وجدت شركة Google نفسها في قلب جدل قانوني متصاعد بعد تلقي شكاوى رسمية من مجموعة من الناشرين المستقلين في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب ميزة Google AI Overviews– وهي خاصية جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتوليد ملخصات فورية تُعرض أعلى نتائج البحث، دون أن يضطر المستخدم للنقر على الروابط الأصلية.
ورغم أن هذه التقنية تقدم تجربة بحث أكثر سرعة للمستخدم، إلا أن آثارها على صانعي المحتوى والناشرين أثارت الكثير من القلق… وربما الغضب.
ما المشكلة التي يواجهها الناشرون؟
حسب ما ورد في عدد من التقارير والصحف الدولية، فإن جوهر الشكوى يتمحور حول استخدام Google لمحتوى المواقع الإخبارية والمستقلة في ملخصات الذكاء الاصطناعي دون إذن صريح، ودون إتاحة وسيلة عادلة للانسحاب من هذه الخاصية.
بمعنى آخر: الناشر أمام خيارين لا ثالث لهما – إما أن يسمح باستخدام محتواه ضمن ملخصات AI، أو يختفي تمامًا من نتائج البحث.
وهذا الخيار المزدوج يبدو غير عادل، خصوصًا إذا علمنا أن الكثير من المستخدمين باتوا يكتفون بقراءة هذه الملخصات السريعة دون النقر على الروابط، فيما يُعرف بظاهرة “النقرات الصفرية” (Zero-click searches). وهي ظاهرة تؤثر بشكل مباشر على حركة المرور (Traffic) إلى المواقع، وبالتالي على الإيرادات الإعلانية والاشتراكات.
ما الذي يطالب به الناشرون؟
وفقًا للبيانات المقدمة إلى هيئة المنافسة البريطانية (CMA) واللجنة الأوروبية، فإن الناشرين لا يعارضون بالضرورة تقنية AI Overviews بحد ذاتها، لكنهم يطالبون بـ:
- حق الانسحاب من هذه الميزة دون أن يتم حذف مواقعهم من نتائج البحث الكلاسيكية.
- تنظيم أكثر شفافية في كيفية استخدام المحتوى الأصلي من قبل الذكاء الاصطناعي.
- إجراءات مؤقتة عاجلة لوقف الضرر، إلى حين البت في القضية قانونيًا.
ماذا كان رد Google؟
من جانبها، دافعت Google عن الميزة، مؤكدة أن محرك البحث لا يزال يرسل “مليارات النقرات يوميًا” إلى مواقع الإنترنت، وأن تجربة AI Overviews ما هي إلا طريقة جديدة “لإثراء تجربة المستخدم” و”تشجيعه على طرح أسئلة أعمق”.
لكن هذا التبرير لم يكن كافيًا، بحسب مراقبين يرون أن Google لم تُظهر شفافية كافية بشأن طريقة تجميع الملخصات، ولا حول ما إذا كانت تحفظ للناشرين حقوقهم القانونية والفكرية.
هل المشكلة تقنية فقط؟ أم أن لها أبعادًا أعمق؟
ما يحدث ليس مجرد نزاع تقني حول خاصية جديدة. بل هو تجلٍّ لصراع أوسع بين:
- منصات التكنولوجيا العملاقة التي تبني أدوات ذكاء اصطناعي ضخمة، تعتمد بدرجة كبيرة على المحتوى المفتوح المصدر.
- والناشرين والمبدعين الذين يشعرون بأن محتواهم يُستخدم لتغذية هذه الأدوات دون مقابل عادل أو تحكم فعلي.
ومن الجدير بالذكر أن حالات مشابهة ظهرت مع أدوات ذكاء اصطناعي مثل ChatGPT وClaude وPerplexity، حيث اشتكى ناشرون عالميون من استخدام محتواهم في تدريب النماذج أو تقديم إجابات دون نسب واضحة للمصدر.
هل نحن أمام منعطف قانوني جديد للذكاء الاصطناعي؟
من المحتمل أن تشكل هذه القضية سابقة قانونية في أوروبا. إذ يُتوقع أن تدفع الهيئات التنظيمية نحو صياغة أطر جديدة تنظم استخدام المحتوى في أنظمة الذكاء الاصطناعي، لا سيما في السياقات التجارية، مثل محركات البحث.
وفي حال قررت Google تعديل نظام AI Overviews أو إتاحة آلية انسحاب مرنة، فقد نرى تأثيرًا يتجاوز حدود أوروبا، ليمتد إلى أسواق أخرى مثل الولايات المتحدة والهند والبرازيل، حيث تواجه الشركة ضغوطًا مماثلة.
الخلاصة
ميزة Google AI Overviews، رغم ما تحققه من سرعة وتجربة سلسة للمستخدم، تطرح تساؤلات قانونية وأخلاقية جدية حول ملكية المحتوى وحقوق الناشرين.
ربما يكون الوقت قد حان لإعادة صياغة العلاقة بين عمالقة التكنولوجيا ومصادر المحتوى، بحيث تقوم على الاحترام، والشفافية، والتوازن في المصالح.
وإلى أن يحدث ذلك، فإن هذه القضية ستبقى أحد أهم الأمثلة على التحديات المعقدة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على عالم الإعلام والبحث.