في كل مرة تُعلن فيها شركة تقنية كبرى عن ميزة جديدة قائمة على الذكاء الاصطناعي، نحتفل — غالبًا — بالتطور. سرعة، دقة، سهولة… تلك الوعود البراقة التي تجذب المستهلكين وتغري الأسواق. لكن، ماذا لو أخبرتك أن بعض هذه التطبيقات الذكية، بدلًا من أن تُساعد التجار، باتت تضغط عليهم وتضعهم في موضع مساءلة لم يختاروه أصلًا؟
قبل أسابيع، أعلنت جوجل عن تحديث جديد لمتصفح كروم يضيف ميزة استعراض آلي لتقييمات المتاجر، تظهر مباشرة بجوار عنوان أي موقع إلكتروني. الميزة — ببساطة — تلخّص تجارب العملاء السابقة باستخدام نماذج ذكاء اصطناعي، وتُبرز للمستخدم انطباعًا عامًّا عن جودة المنتج، والأسعار، وخدمة العملاء، وسياسات الإرجاع. كل ذلك، دون الحاجة لأن يفتح العميل صفحة واحدة من الموقع (Social Media Today).
جميل؟ ليس تمامًا.
الذكاء الاصطناعي لا يُجامل أحدًا — لكنه قد يُربك الجميع
ما الذي قد يحدث عندما يُقدِّم الذكاء الاصطناعي ملخصًا لمئات التقييمات حول متجر إلكتروني معين، ويُظهره بجانب عنوان الموقع فور البحث أو التصفح؟
ببساطة: ينتقل الحكم المبدئي من واجهة المتجر، إلى الملخص الذكي.
هنا، لم يعُد صاحب النشاط التجاري يملك كامل السيطرة على انطباع العميل. والأسوأ من ذلك: إن كان هناك عدد قليل من التقييمات السلبية القديمة، أو آراء مجتزأة خارجة عن السياق، فربما يظهر المتجر بمظهر غير منصف على الإطلاق. ذلك لأن الخوارزميات، مهما بلغت دقتها، لا تملك الوعي البشري الكامل لفهم سياقات الخدمة أو طبيعة المنتج أو ظروف العميل.
في هذه الحالة، يتحول الذكاء الاصطناعي من “أداة مساعدة” إلى نافذة ضغط علني مفتوحة أمام كل زائر جديد.
الشركات لم تعُد تُنافس فقط على المنتج أو الخدمة… بل على “انطباع الذكاء الاصطناعي”
ما الذي يدفع جوجل لإضافة هذه الميزة الآن؟ بحسب ما ورد في TechCrunch، فإن الهدف هو “مساعدة المستهلكين على اتخاذ قرارات شراء واعية”، خصوصًا في ظل تزايد عدد المواقع المشبوهة أو المتاجر الجديدة غير الموثوقة. وهنا تبدأ معضلة جديدة: هل يُعقل أن يُصبح أداء النشاط التجاري مُرتبطًا بتفسير آلي لتجارب عملائه؟
نعم، بل هذا ما يحدث بالفعل.
تصوّر متجرًا ناشئًا، قدّم خلال الأشهر الأولى خصومات كبيرة، لكنه واجه تأخيرات في الشحن بسبب مورّد خارجي. بعض العملاء كتبوا تعليقات سلبية حول هذه التجربة العابرة، والتي لم تعد تمثل الواقع الآن. مع ميزة جوجل الجديدة، ربما يظهر هذا المتجر بتقييم ضعيف، ويخسر مبيعات محتملة — ليس بسبب فشله في الخدمة، بل لأن الذكاء الاصطناعي لخص الماضي، دون أن يُدرك تغير الحاضر.
من المنافسة التقنية… إلى معركة “الثقة الموثقة”
السؤال الأهم الآن: كيف ترد الشركات على هذه الموجة الذكية؟
الإجابة ليست في إضافة مزيد من الميزات، بل في بناء بيئة رقمية محكمة للثقة.
1. التقييمات وحدها لا تكفي
لم يعُد كافيًا أن تطلب من عملائك ترك تقييم بعد الشراء. بل يجب أن تُراقب وتدير مصادر التقييمات بوعي. جوجل تعتمد في ملخصاتها على مواقع مثل Trustpilot وBazaarvoice وScamAdviser. غيابك عن هذه المنصات أو وجود محتوى غير مُحدّث قد يعطي صورة مشوهة.
2. البيانات الواقعية… هي درعك
كم عدد الطلبات المكتملة بنجاح؟ ما متوسط زمن الشحن؟ كم نسبة العملاء العائدين؟ كل هذه الأرقام إن أُتيحت عبر واجهات عامة (حتى ولو اختيارية)، تمنح أنظمة الذكاء الاصطناعي مادة موثوقة للتلخيص — وتمنح عملاءك إحساسًا بالشفافية.
3. خدمة العملاء هي ملعبك الحقيقي
تستطيع الخوارزميات رصد اللغة السلبية، لكنها لا تستطيع رصد التعاطف البشري. تعامل فريق خدمة العملاء مع الشكاوى، لغة الردود، وضوح السياسات، كلها تنعكس لاحقًا في التقييمات، ثم في تلخيص الذكاء الاصطناعي.
مثال عملي: متجران… ونفس الميزة
- متجر A يملك واجهة أنيقة وتجربة مستخدم رائعة، لكن لا يرد على تقييمات العملاء، ولا يُتابع ملاحظاتهم.
- متجر B متواضع التصميم، لكنه يرد بتعاطف على كل تعليق، ويُعالج المشكلات بشفافية.
أي المتجرين تعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيُظهره بصورة أكثر مصداقية؟
الغالب: B، لأن التفاعل الإيجابي والشفاف ينعكس في البيانات، ومن ثم في الملخصات.
رسالة ختامية إلى أصحاب الأنشطة التجارية
الذكاء الاصطناعي قادم بقوة، لكنه ليس خصمًا. هو فقط يفرض قواعد جديدة للعبة.
إن أردت أن تظهر شركتك بصورة عادلة في ملخصات التقييمات، فابدأ من الداخل:
- طوّر تجربة العملاء.
- استمع للشكاوى ولا ترد بعبارات عامة.
- لا تترك تقييمًا سلبيًا دون معالجة حقيقية.
- وكن حاضرًا حيث يبحث عملاؤك عنك، لا حيث تختارك الخوارزميات بالصدفة.
في النهاية، لا يمكنك التحكم في كيف يُلخّص الذكاء الاصطناعي سمعتك، لكن يمكنك — بكل تأكيد — أن تتحكم في المادة التي يستخدمها لذلك.
المقال سـ & جـ
كيف يمكن أن تُؤثر تلخيصات الذكاء الاصطناعي لتقييمات العملاء على سمعة المتجر؟
قد تُقدّم صورة مختصرة وغير دقيقة عن أداء المتجر، خصوصًا إذا استندت إلى تقييمات قديمة أو مجتزأة، مما يُؤثر على الانطباع الأول للعملاء الجدد ويُضعف ثقتهم.
هل تُعد ميزة جوجل الجديدة في متصفح كروم مفيدة للتجارة الإلكترونية؟
رغم أنها تُسهّل اتخاذ القرار للمستخدم، إلا أنها تُضيف ضغوطًا على الشركات التي لا تملك سيطرة كاملة على مصادر تقييماتها أو تحديث بياناتها بانتظام.
ما الخطر الحقيقي في اعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي على مصادر خارجية للتقييم؟
غياب النشاط التجاري عن المنصات المعتمدة، أو وجود محتوى قديم أو سلبي، قد يجعل الذكاء الاصطناعي يعكس صورة غير منصفة عن المتجر، دون إدراك لتطوره الفعلي.
كيف يمكن للشركات تحسين صورتها في ملخصات الذكاء الاصطناعي؟
من خلال تحسين تجربة العملاء، متابعة التقييمات بانتظام، توفير بيانات واقعية وموثوقة، والتفاعل الفعّال مع تعليقات العملاء بشفافية واهتمام.
هل تؤثر خدمة العملاء على الطريقة التي يُلخّص بها الذكاء الاصطناعي التقييمات؟
نعم، فتعاطف الفريق، سرعة الاستجابة، ووضوح السياسات تُسهم في بناء تقييمات إيجابية، وهو ما ينعكس تلقائيًا في الملخصات التي تعتمد عليها الأنظمة الذكية.
ما الفرق العملي بين متجر يتفاعل مع تقييمات عملائه وآخر يتجاهلها؟
المتجر المتفاعل يُبني حوله تصور إيجابي ومحدث، مما يُعزز مصداقيته في عيون العملاء والأنظمة الذكية، بينما الآخر يبقى حبيس انطباعات قديمة وسلبية.