هل صادفت مشروعًا تجاريًا يملأ صفحاته على “تيكتوك” أو “إنستغرام” بالتصاميم المبهرة والعبارات المنمّقة، لكن رغم ذلك لا ترى أي تفاعل حقيقي أو مبيعات ملموسة؟ لعلّك تساءلت: ما السبب؟ أهي قلة الحظ، أم ضعف السوق، أم أن المشكلة أعمق من ذلك؟

الحقيقة أن كثيرًا من المشاريع تقع في فخ شائع: إسناد إدارة الحسابات لشخص يجيد التصميم أو يمتلك قدرة على الكتابة، لكنه لا يعرف كيف يسوّق، ولا يقرأ الأرقام، ولا يفهم مسار العميل.

فتكون النتيجة حضورًا شكليًا يشبه الواجهة المضيئة، لكن من دون حركة داخلية أو نمو حقيقي.

الحسابات الرقمية بين الفن والتسويق

لنفكّر قليلًا: ما الهدف من إنشاء حسابات المشروع على المنصات الاجتماعية؟ هل الغاية مجرد نشر صور وشعارات جميلة؟ أم أن الحسابات وسيلة استراتيجية لجذب العملاء، وبناء الثقة، وتحويل التفاعل إلى مبيعات؟

من هنا تبدأ المعضلة.

فالمشاريع التي تكتفي بالجانب الفني فقط – كالتصميم والكتابة – قد تنجح في لفت النظر للحظة قصيرة، لكنها تفشل في الحفاظ على الزائر أو تحويله إلى عميل.

الأمر يشبه متجراً يزيّن واجهته بالألوان لكنه لا يعرض منتجاته بطريقة مقنعة ولا يشرح قيمتها.

ولذلك نقول: إدارة الحسابات ليست وظيفة “فنيّة” بحتة، بل هي عمل تسويقي متكامل.

ماذا يعني أن يكون العمل تسويقًا لا فناً فقط؟

التسويق يعني قراءة السوق، وفهم احتياجات الجمهور، واختيار الرسائل المناسبة التي تمسّ وجدان العميل وعقله معًا.

يعني أن تضع خطة مدروسة لرحلة العميل (Customer Journey) من أول لحظة يراك فيها وحتى قراره النهائي بالشراء.

فكر معي: ما فائدة أن يكتب مدير الحساب عبارات مؤثرة إذا لم تكن مرتبطة بحاجة حقيقية لدى العميل؟ وما قيمة أن ينشر صورًا جميلة إذا لم تكن جزءًا من استراتيجية تحفّز التفاعل وتدفع المتابع نحو خطوة عملية؟

التسويق أيضًا يعني مراقبة الأرقام: معدل الوصول، نسبة التفاعل، تكلفة الاكتساب، معدل التحويل.

هذه المؤشرات ليست مجرد بيانات جامدة، بل هي لغة السوق التي تخبرك ماذا ينجح وماذا يفشل.

ومن لا يجيد قراءة هذه اللغة، يبقى أسير الانطباعات والظنون.

أمثلة واقعية من السوق

دعنا نأخذ مثالين:

  • المثال الأول: متجر إلكتروني للملابس يملأ حسابه على إنستغرام بالتصاميم المبهجة والاقتباسات الراقية.
    التفاعل جيد على مستوى الإعجابات، لكن المبيعات شبه معدومة.
    لماذا؟ لأن المحتوى لم يوجّه الزبون نحو رابط الشراء، ولم يُظهر العروض أو المزايا بوضوح، ولم يعالج أسئلة العملاء.
  • المثال الثاني: مشروع مطعم صغير يركّز على التسويق أكثر من الصور.
    ينشر محتوى يظهر الوجبة، يشارك آراء الزبائن، يطلق عروضًا تفاعلية، ويطلب من المتابعين المشاركة.
    النتيجة؟ زيادة الحجوزات وتوسع في العملاء.

الفرق هنا أن الأول قدّم فنًا بلا تسويق، بينما الثاني جمع بين الفن والتسويق بذكاء.

أين تكمن الخطورة؟

قد يقول قائل: “لا بأس، على الأقل الحساب نشط!” لكن الحقيقة أن الخطر يكمن في فقدان الفرصة.

فحين تستثمر وقتًا ومالًا في إدارة الحساب بشكل غير تسويقي، فأنت تحرق مواردك دون عائد.

والأسوأ، أنك ترسل رسالة ضمنية للناس: مشروعك مجرد صورة بلا جوهر.

وهذا ينعكس سلبًا على سمعة العلامة التجارية، ويصعّب عليك فيما بعد بناء الثقة أو تصحيح المسار.

كيف تتفادى هذا الفخ؟

إليك بعض النقاط العملية التي يمكن أن تغيّر نظرتك لإدارة الحسابات:

  1. حدّد أهدافك التسويقية بوضوح: هل تريد زيادة المبيعات؟ تعزيز الوعي بالعلامة؟ بناء مجتمع حول مشروعك؟ كل هدف يحتاج إلى أسلوب مختلف.
  2. ادمج بين الفن والتحليل: التصميم والكتابة مهمان، لكن لا بد من ربطهما برؤية تسويقية تستند إلى الأرقام والبيانات.
  3. تعلّم لغة الأرقام: لا يكفي أن تنشر. راقب مؤشرات الأداء: نسبة النقر، عدد العملاء المحتملين، معدلات التفاعل.
  4. ضع استراتيجية محتوى طويلة المدى: المحتوى العشوائي يشبه الضوضاء. أما المحتوى المبني على خطة، فيصنع قصة متكاملة تجرّ العميل خطوة بخطوة.
  5. اختبر وعدّل باستمرار: لا يوجد قالب ثابت. السوق يتغير والجمهور يتغير. لذا اختبر حملاتك باستمرار وعدّل بناءً على النتائج.

هل إدارة الحساب تصلح لأي شخص؟

قد تظن أن أي شخص يجيد استخدام “كانفا” أو يكتب بعض العبارات قادر على إدارة الحساب.

لكن الحقيقة أن إدارة الحساب تشبه قيادة سيارة في سباق: يمكن لأي شخص تشغيل المحرك، لكن القليل من يملك الخبرة لقطع المضمار والوصول أولًا.

إذن، ليس المطلوب فقط أن يكون مدير الحساب “فنانًا”، بل أن يكون “مسوّقًا” يفكر بالنتائج ويقرأ الأرقام ويتعامل مع كل منشور كجزء من خطة نمو.

خاتمة: من الشكل إلى الجوهر

الآن، دعني أسألك: هل تكتفي مشاريعنا اليوم بأن تُرى؟ أم تريد أن تُسمع وتؤثّر وتبيع؟

إذا كنت صاحب مشروع، فربما حان الوقت أن تعيد النظر: هل حساباتك تسير على خُطى الفن وحده، أم أنها تسلك طريق التسويق؟ القرار بيدك، لكن تذكر أن الحضور الرقمي ليس جائزة للتزيين، بل أداة للنمو.

ولعل أفضل خطوة تبدأ بها اليوم هي أن تتعامل مع إدارة الحساب كجزء من استراتيجيتك التسويقية، لا مجرد رفاهية بصرية.

عندها، لن يكون حسابك مجرد “واجهة مضيئة”، بل سيكون محركًا حقيقيًا لنمو مشروعك.

المقال سـ & جـ

ما هو الخطأ الشائع الذي تقع فيه المشاريع عند إدارة الحسابات الرقمية في مصر أو الخليج؟

الخطأ الأكبر هو إسناد إدارة حسابات السوشيال ميديا لشخص يجيد التصميم أو الكتابة فقط، دون خبرة بالتسويق الرقمي أو تحليل بيانات الجمهور. النتيجة: تواجد شكلي على الإنترنت بلا نمو حقيقي أو مبيعات ملموسة.

ما الفرق بين إدارة الحسابات كفن وإدارتها كتسويق رقمي؟

كفن: التركيز على الصور الجميلة والعبارات الجذابة لجذب الانتباه مؤقتًا.
كتسويق رقمي: فهم السوق المحلي، تحديد رحلة العميل، قراءة مؤشرات الأداء (الوصول، التفاعل، التحويل)، وصناعة محتوى يحوّل المتابع إلى عميل فعلي.

هل هناك أمثلة عملية من السوق المحلي؟

فشل: متجر ملابس إلكتروني يكتفي بالتصاميم على إنستغرام → إعجابات كثيرة لكن مبيعات شبه معدومة.
نجاح: مطعم صغير في مصر/السعودية ركز على التسويق الرقمي، شارك تجارب العملاء وأطلق عروض محلية → زيادة الحجوزات وتوسع في الزبائن.

ما المخاطر من إدارة الحسابات بلا رؤية تسويقية؟

إهدار ميزانية التسويق الرقمي بلا عائد.
فقدان فرص جذب عملاء جدد.
انطباع سلبي بأن العلامة التجارية مجرد “زينة” بلا قيمة.

كيف يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة تفادي هذا الفخ؟

وضع أهداف واضحة (مبيعات، وعي بالعلامة التجارية، بناء مجتمع محلي).
ربط التصميم والكتابة باستراتيجية تسويق رقمي مبنية على البيانات.
متابعة مؤشرات الأداء باستمرار.
إعداد خطة محتوى طويلة المدى تناسب السوق المحلي.
اختبار الحملات وتعديلها وفق تفاعل العملاء.

هل يجيد أي شخص تصميم الصور أو كتابة المحتوى إدارة الحسابات الرقمية بفعالية؟

لا. إدارة حسابات السوشيال ميديا تتطلب خبرة تسويقية وفهمًا لسلوك العملاء المحليين، وليس مجرد مهارة استخدام برامج التصميم مثل “كانفا”.

ما الهدف الأساسي من الحضور الرقمي للمشاريع التجارية في منطقتنا؟

الهدف هو النمو وجذب عملاء جدد، بناء الثقة مع الجمهور المحلي، وتحويل التفاعل على السوشيال ميديا إلى مبيعات فعلية، وليس مجرد الحضور الشكلي.

ما أفضل نصيحة لأصحاب المشاريع في مصر والسعودية عند إدارة حساباتهم الرقمية؟

اعتبر إدارة الحسابات جزءًا من استراتيجيتك الكاملة للتسويق الرقمي في السوق المحلي، لا مجرد جانب فني. بذلك يتحول حسابك الرقمي إلى محرك نمو حقيقي يعزز المبيعات ويقوي حضورك في السوق.

اترك أول تعليق