أكثر ما يحزن الواحد منا ويوجعنا كمستقلين هو تكرار هذا الموقف:

أن ترى نفسك أهلًا لما يُطلب، لكنك تُستبعد ببساطة لأنك تطلب ما تستحق.

زميلة مجتهدة تقول:

“تجيني عروض وظيفية، لكن الرواتب قليلة. أطلب رفعها بما يتناسب مع خبرتي وحجم المهام… يرجعون بعد كم يوم يعتذرون إنهم لقوا شخص ثاني. صارت كثير، لدرجة إني بدأت أفكر أقبل بالأسعار المنخفضة!”

هنا، دعونا نضع الأمور في سياق أوضح.

ما الذي يحدث فعليًا؟

عندما يُستبعد مستقل أو متقدم لمجرد أنه طلب مقابلًا أعلى، فهناك احتمالان لا ثالث لهما:

  1. العميل/الشركة لا ترى فرقًا واضحًا بينه وبين الآخرين.
  2. العميل لا يبحث أصلًا عن الجودة، بل عن الأرخص فقط.

في الحالة الثانية، لا جدوى من الإقناع أو النقاش. لكن في الأولى، هناك ما يمكن فعله.

كيف تشرح للعميل لماذا سعرك أعلى؟

من أهم أسباب الرفض في السوق المستقل هو غياب “التميّز الملموس”. أنت ترى أن خبرتك تستحق، لكن العميل لا يراها. لذلك، وظيفتك ليست فقط تقديم عرض، بل تقديم “برهان”.

وإليك بعض الطرق الفعالة:

  • نماذج العمل:
    نفّذ نموذجًا حقيقيًا يُشبه المطلوب من العميل، وقارنه بصراحة بينه وبين أعمال منافسيك (إن وجدت). هذا يُجبره على إعادة النظر.
  • تحدي مباشر:
    اقترح أن يصنع لك العميل نفس الإعلان أو النص المطلوب، وينفذه أيضًا المرشح الذي اختاره. ثم قارِن بين العملين بوضوح، وهذه جرأة تصنع أثرًا.
  • موقع إلكتروني احترافي:
    أنشئ موقعًا بسيطًا يعرض أعمالك مرتبة حسب القطاعات والأساليب والنتائج. العميل يثق بمن يعرف كيف يعرض نفسه.

هذه كلها استراتيجيات تُسمى في التسويق: إبراز نقطة التفرد (Unique Selling Proposition). والافتراض هنا أن جودة عملك هي نقطة التفرد.

استراتيجيات أخرى للتعامل مع السوق

إذا وجدت أن التفاوض لا يجدي أو أن الشركات فعلًا لا تقدّر السعر العادل، فهناك عدة مسارات استراتيجية يمكنك التفكير فيها:

1. استراتيجية الإنتاج الكمي (Mass Production)

بدل أن تقبل مشروعًا واحدًا بـ 1,000 ريال يستغرق أسبوعًا، خذ مشروعين بـ 500 ريال كل منهما، تنجزهما في نفس المدة، لكن بجودة تلائم السعر.

هذه الطريقة مناسبة لمن يجيد التنظيم وإدارة الوقت، دون تضحية صارخة بالجودة.

2. اختر عملاءك بنفسك

لا تنتظر أن يطرق العميل بابك. ابحث عن شركات لديها محتوى ضعيف أو إعلانات ركيكة، واعملي لهم “نموذجًا تصحيحيًا” مجانيًا.

بهذا الأسلوب، أنت من يختار العميل — لا هو.

3. التعاون مع مبتدئين

كوّن فريقًا صغيرًا من كتّاب أو مسوّقين مبتدئين. تستلم المشروع، وتوزع المهام، وتراجعه بنفسك. تحصل على نسبة مقابل إشرافك وخبرتك، وهم يستفيدون من التعلم والخبرة.

4. تجزئة الخدمة وتبسيطها

بدل تقديم عرض شامل، جزئه إلى مكونات واضحة:

  • كتابة صفحات الموقع
  • كتابة النصوص التعريفية
  • البحث عن الكلمات المفتاحية
  • نصوص الميتا

ثم استبعد المكونات التي تستهلك وقتًا ولا تقابلها ميزانية كافية. بهذا الشكل، تحفظ وقتك، وترفع العائد من كل ساعة.

وماذا عن عروض الوظائف؟

العروض التي تأتيك من شركات تطلب دوامًا كاملًا أو جزئيًا لكنها لا تقدم راتبًا مرضيًا؟ الأمر هنا لا يحتاج تحليلًا طويلًا.

اسأل نفسك سؤالًا بسيطًا:

هل يمكنني، كمستقل، أن أحقق دخلًا أعلى من هذا الراتب المعروض؟

  • إذا كانت الإجابة نعم: لا تقبل العرض، وركز على تطوير مسارك المستقل.
  • إذا كانت الإجابة لا: خذ العرض، فهو في هذه الحالة خيار واقعي مؤقت، إلى أن تتمكن من رفع دخلك كفريلانسر.

الأمر لا يتعلق بعدد سنوات الخبرة، بل بقدرتك الفعلية على تحقيق الدخل في السوق المفتوحة.

خلاصة القول

السوق ليس دائمًا منصفًا. لكن التفاوض لا يعني فقط طلب رقم أعلى. بل يعني أن تقدّم للعميل دليلًا واضحًا أن ما ستقدمه يستحق هذا الرقم.

وإذا لم يستوعب العميل ذلك، لديك دائمًا بدائل استراتيجية تحفظ لك القيمة دون أن تفقدي فرص العمل.

اترك أول تعليق