في 2017، أطلقت Coca-Cola إعلانًا في السعودية بعنوان “Change Has a Taste“ احتفالًا بالسماح للنساء بقيادة السيارة.
الإعلان صُوِّر بأسلوب سينمائي جذاب: أب يعطي ابنته مفتاح السيارة، تتعثر قليلًا، ترتشف من زجاجة كولا، ثم تقود بثقة عبر الصحراء.
لكن ما بدا أنه رسالة دعم لخطوة اجتماعية تاريخية، انقلب إلى موجة جدل عارمة على وسائل التواصل.
اعتبر البعض الإعلان ملهمًا، بينما رآه آخرون استغلالًا تجاريًا لقضية حساسة.
خلال أيام، أصبح الإعلان حديث الرأي العام، وأعاد فتح النقاش حول حدود التسويق الجريء في بيئة ثقافية واجتماعية لها اعتبارات خاصة.
هنا يبرز السؤال الذي يهم أي صاحب عمل أو مدير تسويق: هل إثارة الجدل أداة ذكية لجذب الانتباه، أم فخ قد يهدد صورة علامتك التجارية؟
لماذا تساعد إثارة الجدل في التسويق؟
دعنا نكون واقعيين… في زمن أصبحت فيه شاشاتنا مكتظة بالإعلانات والمحتوى من كل اتجاه، أي حملة “عادية” تمر مرور الكرام.
أنت نفسك، كم مرة مررت بإعلان على إنستغرام أو يوتيوب دون حتى أن تنتبه لعلامته؟ هنا يأتي دور إثارة الجدل… فهي كالمغناطيس الذي يجذب انتباهك حتى لو لم تكن مهتمًا بالمنتج في الأساس.
1. توليد الانتباه بسرعة البرق
الإعلانات المثيرة للجدل تخترق الزحام الإعلامي فورًا، لأن عقولنا بطبيعتها تلتفت إلى ما هو غير مألوف أو صادم.
مثال ذلك: إعلان Nike الشهير عام 2018 مع لاعب كرة القدم الأمريكية Colin Kaepernick.
الإعلان لم يكن مجرد صورة أو فيديو، بل كان بيانًا سياسيًا واجتماعيًا في وقت حساس بأمريكا.
رغم المقاطعات التي دعا إليها البعض، قفزت مبيعات Nike بنسبة 31% خلال أيام قليلة من إطلاق الحملة.
تخيل نفس الفكرة في سوقنا المحلي… إعلان Coca-Cola عن قيادة المرأة للسيارة في السعودية عام 2017 لم يكن مجرد ترويج لمشروب غازي، بل ربط نفسه بحدث تاريخي في حياة المجتمع.
سواء اتفقت أو اختلفت مع الأسلوب، النتيجة واحدة: الإعلان سيطر على النقاش العام.
2. انتشار عضوي (Viral) بلا ميزانية إضافية
هناك قاعدة بسيطة في عالم التسويق: المحتوى المثير للجدل “ينتشر بنفسه”.
حين يتحدث الناس عنك—سواء بالإيجاب أو السلب—فأنت تحصد ما يُعرف بالـ Earned Media، أي التغطية الإعلامية المجانية.
خذ مثلًا إعلان شركة Gillette عام 2019 الذي تناول موضوع “الرجولة السامة” (Toxic Masculinity).
رغم أن الحملة أغضبت بعض عملاء الشركة، إلا أنها حصدت أكثر من 30 مليون مشاهدة على يوتيوب في أقل من أسبوع، بالإضافة إلى آلاف المقالات والتقارير التي تناولتها، وكل ذلك دون أن تدفع الشركة مقابل لهذه التغطية.
وعلى مستوى السوق العربي، أي حملة تخرج عن المألوف سرعان ما تصبح “ترند” على تويتر وتيك توك، وتحصد آلاف المشاركات حتى من أشخاص لم يكونوا يعرفون علامتك من قبل.
ولكن، ما المخاطرة الحقيقية من وراء هذا الأسلوب؟
إثارة الجدل قد ترفعك إلى قمة الاهتمام، لكنها قادرة أيضًا على قلب صورتك رأسًا على عقب إن لم تُدار بحذر.
1. التجاوز الأخلاقي أو الثقافي
في الأسواق ذات الحساسيات الاجتماعية أو الدينية العالية، خطوة غير محسوبة قد تثير موجة رفض واسعة.
الجدل هنا ليس فقط حول الرسالة، بل حول القيم التي يُفترض أن تلتزم بها العلامة.
مثال: في السعودية، أطلقت سلسلة مطاعم Maestro Pizza إعلانًا بمناسبة اليوم الوطني ظهرت فيه نساء غير محجبات يغنين، وهو ما اعتبره كثير من الجمهور مخالفًا للسياق الثقافي المحلي.
واجهت الحملة موجة انتقادات واسعة على وسائل التواصل، واضطرت الشركة إلى سحب الإعلان سريعًا.
2. العودة السلبية (Backlash)
أحيانًا لا يكفي أن تكون النية جيدة؛ إذا شعر الجمهور أن الرسالة سطحية أو متاجِرة بقضايا حساسة، قد ينقلب التأييد إلى هجوم.
مثال: حملة Pepsi عام 2017 التي ظهرت فيها Kendall Jenner مستعينة برمز الاحتجاجات الاجتماعية.
بدلًا من كسب التعاطف، وُصفت الحملة بأنها استغلال مفرط للقضايا الحقوقية، مما اضطر الشركة إلى سحب الإعلان خلال أقل من 48 ساعة.
3. تأخير بناء الثقة المؤسسية
حتى لو حصلت على انتباه ضخم، فإن الحملة الجدلية قد تترك أثرًا طويل المدى على صورتك، خاصة في القطاعات التي تقوم على الثقة مثل التمويل أو الخدمات الصحية.
الجمهور في هذه المجالات يتوقع لغة مهنية وهادئة، وأي رسالة استفزازية قد تبطئ عملية بناء المصداقية.
مثال: في قطاع الرعاية الصحية، حملات تعتمد على صور أو عبارات صادمة لتسليط الضوء على مخاطر صحية قد تجذب الانتباه مؤقتًا، لكنها تخسر ثقة الفئة المستهدفة التي تبحث عن المعلومة الدقيقة والنبرة المطمئنة.
متى يكون اللجوء إلى إثارة الجدل محسوبًا ومثمرًا؟
1. حين توجد رسالة قوية وراءها
ليست القضية أن تثير الجدل لمجرد لفت النظر، بل أن يكون لديك هدف أو قضية واضحة تستحق الدفاع عنها.
مثال: حملة Dove ضد المعايير الجمالية غير الواقعية.
الحملة استخدمت وجوه نساء بمقاسات وأشكال مختلفة، متحدية الصورة النمطية للجمال في الإعلانات.
رغم الجدل الذي أثارته بين مؤيد ومعارض، تلقاها الجمهور كخطوة جادة نحو تمكين النساء وتحفيز نقاش مجتمعي مهم.
2. عند معرفة واضحة بحدود الجمهور وأعراف السوق
قبل أن تدفع الحدود، عليك أن تعرف أين هي.
الفهم العميق للثقافة المحلية والدينية والاجتماعية يحميك من تجاوز خط أحمر غير مقصود.
والمثال الأبرز هنا هو حملة “Change Has a Taste” التي ذكرناها في مُقدمة المقال.
3. وجود خطة واضحة لإدارة الأزمة
إذا قررت أن تسلك الطريق الجدلي، يجب أن تكون مستعدًا لردود فعل متباينة، وأن تملك خطة للتعامل مع كل سيناريو.
وهذا بالضبط ما حدث مع Nike في المثال الذي ضربناه بالأعلى
الخلاصة: هل إثارة الجدل تستحق المغامرة؟
دعني أكون صريحًا معك… نعم، أحيانًا تستحق.
لكن الأمر ليس نزهة، ولا مكانًا لتجارب غير محسوبة.
إذا لم يكن لديك سبب حقيقي، ومعرفة عميقة بسوقك وثقافته، وخطة واضحة لإدارة أي أزمة، فأنت تلعب بالنار.
إثارة الجدل قد ترفعك إلى القمة… أو تدفعك إلى الهاوية.
والعاقل هو من يعرف متى يشعل الشرارة ومتى يطفئها.
المقال سـ & جـ
ما هو التسويق عبر إثارة الجدل؟
التسويق عبر إثارة الجدل هو استراتيجية تعتمد على طرح فكرة أو محتوى مثير للانقسام أو الصدمة، بهدف جذب الانتباه بسرعة وزيادة الحديث عن العلامة التجارية على وسائل التواصل ووسائل الإعلام.
لماذا تستخدم الشركات التسويق المثير للجدل؟
تلجأ الشركات لهذا الأسلوب لأنه يحقق انتشارًا واسعًا بأقل تكلفة، حيث يدفع الجمهور لمشاركة الإعلان والتحدث عنه، ما يخلق تغطية إعلامية مجانية ويعزز الوعي بالعلامة التجارية.
ما هي مخاطر التسويق المثير للجدل؟
المخاطر تشمل تجاوز حساسيات ثقافية أو دينية، أو اتهام العلامة التجارية بالاستغلال، أو إلحاق ضرر دائم بالثقة التي بناها الجمهور، خاصة إذا كان الجدل غير مدروس.
كيف يحقق التسويق المثير للجدل الانتشار السريع؟
من خلال خلق محتوى يثير مشاعر قوية لدى الجمهور، سواء إيجابية أو سلبية، ما يدفعهم للتفاعل والمشاركة، وبالتالي زيادة الانتشار العضوي على المنصات الرقمية.
متى يكون التسويق عبر إثارة الجدل آمنًا وفعّالًا؟
عندما يكون هناك فهم عميق للسوق المحلي، ورسالة قوية مرتبطة بالقيم التي تؤمن بها العلامة التجارية، وخطة واضحة لإدارة أي ردود فعل سلبية محتملة.
ما هي أمثلة على نجاح التسويق المثير للجدل؟
مثال: حملة Nike مع كولين كابرنيك التي رفعت المبيعات بنسبة 31% في أيام قليلة، وحملة Dove التي تحدت معايير الجمال التقليدية وحصلت على تفاعل عالمي إيجابي.
ما هي أمثلة على فشل التسويق المثير للجدل؟
مثال: إعلان Maestro Pizza في السعودية الذي واجه انتقادات شديدة لمخالفته السياق المحلي، وحملة Pepsi عام 2017 التي تم سحبها خلال 48 ساعة بسبب اتهامات بالاستغلال.
كيف توازن الشركات بين جذب الانتباه وبناء الثقة؟
بجعل الجدل جزءًا من قصة أكبر تعكس قيم الشركة، وعدم الاكتفاء بالإثارة المؤقتة، لضمان أن الانتباه يتحول إلى ثقة وولاء طويل الأمد.
متى تستحق الشركة المخاطرة بالتسويق المثير للجدل؟
عندما تكون الرسالة متوافقة مع قيم العلامة، وهناك قدرة على إدارة الأزمة، والفوائد المحتملة تفوق المخاطر على سمعة الشركة.