لنبدأ من السؤال الذي يتردد كثيرًا:
حين تقوم بإعداد حملة إعلانية، وتطلب منك المنصة تحديد “اهتمامات الجمهور” أو “سلوكياته”، هل هذا الاختيار يُحدث فارقًا حقيقيًا؟
أم أن الاستهداف بهذه الطريقة مجرد “تزويق تقني”، يُعقّد الحملة دون أثر فعلي؟
الجواب ليس نعم أو لا. لكن ما يمكن تأكيده بثقة هو التالي:
الاستهداف بالاهتمامات والسلوك قد يكون فعالًا بدرجة كبيرة… إذا استُخدم في مكانه الصحيح.
أولًا: ما المقصود بالاهتمامات والسلوك في الإعلانات الرقمية؟
- الاهتمامات (Interest): تستند المنصات إلى سلوك المستخدم داخلها، مثل الصفحات التي تفاعل معها، أو المحتوى الذي استمر في مشاهدته، لتُصنّفه ضمن فئات اهتمام محددة.
- السلوك (Behavior): يستند إلى أنشطة المستخدم الأكثر وضوحًا، كزيارة موقع معين، أو إجراء عمليات شراء، أو النقر على أنواع معينة من الإعلانات سابقًا.
كثير من المنصات الكبرى، مثل Meta وTikTok وحتى Google Ads، تتيح هذا النوع من الاستهداف، وتدّعي أنه يرفع كفاءة الإعلان ويوجّهه بدقة.
ثانيًا: ماذا تقول الأرقام؟
تفاعل أعلى مع الإعلانات
وفقًا لدراسة من Ohio State University، فإن الإعلانات المستهدِفة سلوكيًا تحقق معدلات نقر (CTR) تزيد بنحو 5 أضعاف مقارنة بالإعلانات العامة.
أما في حالة إعادة الاستهداف (Retargeting)، فقد تصل النسبة إلى 10 أضعاف.
تحسين معدل التحويل والعائد على الإنفاق
وجدت Network Advertising Initiative أن معدل التحويل في الإعلانات السلوكية يصل إلى 6.8% مقارنة بـ 2.8% للإعلانات غير المستهدفة.
وتُشير دراسة من موقع Plang Phalla إلى أن الاستهداف بناءً على الاهتمامات يمكن أن يرفع العائد على الإنفاق الإعلاني بنسبة تزيد عن 35% مقارنة بالاستهداف العام.
ثالثًا: متى يكون الاستهداف مفيدًا؟ ومتى يضرّ بالحملة؟
يكون فعّالًا عندما:
- يكون الجمهور المستهدف واسعًا بما يكفي لتحقيق انتشار معقول دون خنق وصول الإعلان.
- تُستخدم البيانات ضمن مرحلة مناسبة من مسار العميل (مثل: التفكير في المنتج، أو نية الشراء).
- ترتبط فئات الاهتمام ارتباطًا فعليًا بالمنتج أو الخدمة.
ويكون غير فعّال عندما:
- يتم تضييق الاستهداف أكثر من اللازم، مما يمنع المنصة من الوصول لجمهور كافٍ.
- يتم استخدامه في حملات تهدف فقط لزيادة الوصول أو اختبار السوق.
- لا يتم التحقق من دقة التصنيفات التي اعتمدت عليها المنصة في تحديد “الاهتمام” أو “السلوك”.
في دراسة صادرة من Meta، وُجد أن الاستهداف الواسع يتفوق على الاستهداف التفصيلي في كثير من الحالات، خاصة عندما تكون المنصة قادرة على استخدام الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الجمهور المحتمل تلقائيًا.
رابعًا: أمثلة توضيحية لتقريب الفكرة
لفهم تأثير الاستهداف القائم على الاهتمامات والسلوك بشكل أفضل، دعنا نستعرض مثالين افتراضيين يوضّحان السيناريوهين المحتملين.
مثال (1): شركة أجهزة منزلية:
تخيّل شركة متخصصة في الأجهزة المنزلية الذكية أطلقت منتجًا جديدًا: فرن مدمج مزوّد بوظيفة الخَبز بالبخار، وتريد الترويج له رقميًا داخل مدينة الرياض.
بدلًا من استهداف الجمهور العام، قررت الشركة تضييق الإعلان على شريحة تهتم بـ:
- الطبخ المنزلي
- أنماط الأكل الصحي
- المخبوزات الخالية من الغلوتين
(وهي اهتمامات متاحة في منصّات مثل Meta Ads)
النتيجة:
- معدل النقر (CTR) كان أعلى من المعتاد.
- تكلفة الاكتساب بقيت معقولة.
- نسبة الطلبات من هذا الجمهور كانت جيدة مقارنةً بالحملات الأوسع.
ما حدث هنا أن المنتج نفسه “تناسب” مع اهتمام الجمهور المستهدف، مما جعل الإعلان يبدو أكثر صلة، فحقق نتائج أفضل دون زيادة الإنفاق.
مثال (2): متجر إلكتروني:
نأخذ الآن سيناريو مغاير: متجر إلكتروني صغير يبيع دليلًا إلكترونيًا بعنوان: “أفكار لبدء مشروعك بـ 5 دولارات فقط”، بسعر رمزي.
قرر صاحب المتجر أن يستهدف فقط جمهورًا ضيقًا جدًا:
- مهتم بريادة الأعمال
- متابع لصفحات الكتب الإدارية
وبشرط أن يكون عمره بين 24 و30، ويقيم في مدينة واحدة فقط.
الحملة انطلقت، ولكن:
- تكلفة النقرة كانت مرتفعة.
- عدد التحويلات كان منخفضًا جدًا.
- الجمهور كان صغيرًا لدرجة أن المنصة واجهت صعوبة في تقديم الإعلان بفعالية.
بعد ذلك، جرّب المتجر حملة باستهداف واسع (Broad Targeting) معتمدة على خوارزمية المنصة لاختيار الجمهور تلقائيًا.
النتائج؟
- تكلفة النقرة انخفضت، وعدد الزيارات زاد.
- لكن التحويلات كانت أقل جودة، لأن كثيرًا من الجمهور لم يكن مهتمًا فعليًا بالمنتج.
ما نستخلصه هنا: الاستهداف الضيق جدًّا قد يخنق الحملة، بينما الاستهداف الواسع قد يقلّل من جودة النتائج. الحل في التوازن، وفهم طبيعة العرض والجمهور قبل اتخاذ قرار الاستهداف.
خامسًا: اعتبارات لا يمكن تجاهلها
- دقة التصنيفات: إذا صنّفت المنصة المستخدمين بناءً على إشارات غير دقيقة، فقد تنفق ميزانيتك على جمهور غير معني أصلًا بما تقدّمه.
- قوانين الخصوصية: مع تطبيق قوانين مثل GDPR وCCPA، أصبحت البيانات السلوكية تحت رقابة شديدة، مما قلّل من فعاليتها في بعض الأسواق.
- الإرهاق الإعلاني: إعادة الاستهداف الزائد قد تجعل المستخدم ينفر من علامتك التجارية، خصوصًا إن رأى إعلانك مرات عديدة دون فاصل زمني كافٍ.
سادسًا: هل يُنصح باستخدام هذا النوع من الاستهداف؟
الإجابة المختصرة: نعم، لكن بعقلانية.
وإليك تلخيص سريع:
نوع الاستهداف | متى يكون مناسبًا؟ | أهم ما يجب الانتباه إليه |
---|---|---|
حسب الاهتمامات | عند الترويج لمنتج مرتبط بعادات أو ميول واضحة | لا تفرط في الفلاتر، وراقب حجم الجمهور |
حسب السلوك | في حملات إعادة الاستهداف أو الجمهور الدافئ | تأكد من صحة التتبع وتحليل النتائج |
إذًا، هل هو مجرد “شكليات”؟ أم أداة حقيقية؟
ليس شكليًا على الإطلاق.
لكن قيمته الحقيقية لا تظهر إلا إذا تم توظيفه ضمن سياق واضح، وبهدف مفهوم، وباعتماد على نتائج حقيقية تُقاس وتُحلل.
الحملات الناجحة اليوم لا تعتمد فقط على “أين يظهر الإعلان؟”، بل: “لمن يظهر؟، ولماذا؟، وهل هذا الشخص مهتم فعليًا؟”.
وذلك هو جوهر الاستهداف الذكي.
المقال سـ & جـ
هل الاستهداف الإعلاني حسب الاهتمامات والسلوك فعّال حقًا؟
نعم، يمكن أن يكون فعّالًا للغاية إذا استُخدم في المكان المناسب وضمن جمهور واسع نسبيًا، خاصة عندما يكون المنتج مرتبطًا فعليًا باهتمامات المستهدفين.
ما الفرق بين الاستهداف حسب الاهتمامات والاستهداف السلوكي؟
الاهتمامات تُبنى على تفاعلات المستخدم داخل المنصة، أما السلوك فيعتمد على نشاطاته المباشرة، مثل زيارة موقع أو إتمام عملية شراء سابقة.
متى يكون الاستهداف بالاهتمامات والسلوك مضرًّا بالحملة؟
عند تضييق الشريحة المستهدفة بشكل مفرط، أو الاعتماد على تصنيفات غير دقيقة، مما يؤدي إلى ضعف الوصول وارتفاع التكلفة دون نتائج حقيقية.
هل الاستهداف الواسع أفضل من الاستهداف التفصيلي دائمًا؟
ليس دائمًا، لكنه أحيانًا يكون أكثر فعالية من حيث التكلفة، خاصة إذا كانت المنصة قادرة على تحسين عرض الإعلانات باستخدام بياناتها الذكية.
هل تؤثر قوانين الخصوصية على فعالية هذا النوع من الاستهداف؟
نعم، فالتشريعات مثل GDPR قلّلت من قدرة المنصات على تتبع المستخدمين بدقة، مما ينعكس على جودة الاستهداف السلوكي تحديدًا.
كيف أقرر بين استهداف دقيق أو استهداف واسع؟
يعتمد القرار على طبيعة منتجك، ومرحلة العميل المستهدف، والميزانية. التجربة والتحليل هما الطريق الأفضل للوصول إلى الاختيار المناسب.